للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألفاظ. وقد كان يعينه في ذلك اعتماده على حاسة سمعه دون بصره، إذ الرجل قد كان أعشى. وتوشك أن ترى من خلال نظمه تحسس الضرير العارف بطريقه وعر أن تجد شعر يصور شخص ناظم كما تجد في هذه المتقاربيات التي للأعشى. وسأختار من بعضها نتفاً متشابهة الأغراض عسى أن تبين لك ما أقصد إليه. قال [ديوانه ٦٧ - ٦٢ [:

على أنها إذ رأتني أقا ... قالت بما قد أراه بصيرا (١)

رأت رجلاً غائب الوافد ... ين مضطرب الحلق أعشى ضرير (٢)

فإن الحوادث ضغضعنني ... وإن الذي تعلمين استعيرا (٣)

إذا كان هادي الفتي في البلا ... صدر القناة أطاع الأميرا (٤)

وخاف العثار إذا ما مشى ... وخال السهولة وعثا وعورا

وفي ذاك ما يستفيد الفتى ... وأي امري لا يلاقي الشرورا

فهذا الغناء الحزين في غير ما توجع، ولا يخلو مع ذلك من روح مرح، وإقبال على الحياة، من خير ما قرأته في رثاء الشباب. ويزيد جماله هذه التنورة الخيالية التي رسمها الشاعر -صورة الفتاة وقد بصرت به يقاد، وكان عهدها به قوياً، حديد النظر.

ومن خير ما جاء في هذه الرائية وصفه للفتاة وزوجها الغيران:

لها ملك كان يخشى القراف ... إذا خالط الظن منه الضميرا (٥)


(١) ما أراه: أي ربما كنت أراه: أي كثيراً كنت أراه بصيراً.
(٢) الوافدين: الناظرين.
(٣) عني الشباب والقوة.
(٤) القناة: العصا. عنى إذا عمي الإنسان فصار هاديه العصا، عجز وأطاع من يأمره.
(٥) القراف: ما عسى أن تقرف به، أي تتهم به من زنا أو نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>