للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتكاد تحسب القصيدة كلها وأنت تقرأ هذه الأبيات في الرثاء، ولكنها مدحة. ومن عجيب الأمر أن موضع هذه الأبيات المتشائمة، في غير ما عبوس، غير ناب في القصيدة، بل هو منسجم مع سائر أغراضها، - تجمعه معها رنة الحزن المرح (حزن المحب للحياة الطالب للذائذها قبل أن تنتهي) والكلم الطنان، والروح العذب، أنظر إليه وهو يتحدث عن الحمر، حديث متذكر لمجالسها، طروب بذكراها:

وعاصيت قلبي بعد الصبا ... وأمسى وما إن له من شجن

فقد أشرب الراح قد تعلمين يوم المقام ويوم الظعن

وأشرب بالريف حتى يقا ... ل قد طال بالريف ما قد دجن (١)

ثم قال عن الصبا والغزل:

وأقررت نفسي من الغانيا ... ت إما نكاحاً وإما أزن

ومن كل بيضاء رعبوبة ... لها بشر ناصع كاللبن

تعاطي الضجيع إذا أقبلت ... بعيد الرقاد وعند الوسن

صريفية طيبة طعمها ... لها زبد بين كوب ودن (٢)

ثم أخذ في وصف الصحراء وتخلص من ذلك إلى المدح:

وبيداء قفر كبرد السدير ... مشاربها داثرات أجن

قطعت إذا خب ريعانها ... بدوسرة جسرة كالفدن (٣)

فأفنيتها وتعاللتها ... على صحصح كرداء الردن (٤)


(١) دجن: أقام.
(٢) في الأصل: صليفية وموضع الخمر صريفين، فاللام تصحيف لا ريب. ولينظر.
(٣) ريعانها: عنى أوائل سرابها - الدوسرة: الناقة الصلبة. الفدن: القصر.
(٤) رداء الردن: أي الرداء المردون أي المغزول - تعاللتها: أي أعملتها على علاتها مرة بعد أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>