للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفيع الوساد طويل النجا ... د ضخم الدسيعة رحب العطن (١)

فتأمل ما اخترناه لك من هذه القصيدة كيف تجده جمع بين التأمل والأشواق، والتذكر للذات الشباب، والصفة البارعة للسفر مع المدح المصفى، وحنين الشيخ إلى أوطانه، ثم ذلك بخلطه ببراعة الخاطر وحسن التأتي، والفكاهة والبلاغة التي تصل إلى أعماق القلب وانظر إليه كيف يفتن في وزن المتقارب، وكيف يطرد به وينساق، ثم هو مع ذلك لا يفتأ ينوع فيه، تارة يأتي بالصدر كالمساوي للعجز، وتارة ينقصه من ذلك، مثال ذلك قوله: «وكنت امرأً زمناً بالعراق» هذا شطر، وقوله: «رفيع الوساد طويل النجا» هذا شطر، والأول أطول من الثاني. وأكثر القصيدة يسير على منهاج الثاني، ولكن الأعشى لبراعته في التغني يستريح إلى الطراز الأول بين حين وآخر. ثم تأمل رنة القافية، وما يخالط نونها الساكنة من تشديد خفي يجعلها ملء الفم، وما افتن فيه الشاعر من حذف الياءات - أتحسب كل ذلك أريد به شيء غير مجرد الإطراب؟

وقال من متقاربية أخرى هي من عيون شعره يصف الخمر] نفسه ٢٨ [:

وصهباء طاف يهوديها ... وأبرزها وعليها ختم

وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم

تمززتها غير مستدبر ... عن الشرب أو منكر ما علم

فهذا عندي من أجمل ما قيل في الخمر ولاسيما صفة اليهودي وصلاته وإعجابه بالخمر التي كان يبيعها -، ثم قال الأعشى وكل هذا في مطلع القصيدة:

وأبيض كالسيف يعطي الجزيل ... يجود ويغزو إذا ما عدم

تضيفت يوماً على ناره ... من الجود في ماله أحتكم


(١) ضخم الدسيعة: أي كريم عظيم العطايا، وأصله من الدسع، وهو الدفع. والعطن: مكان الإبل وكني به عن اتساع الصدر للحلم، والكنف للمعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>