للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فريش الخوافي قوةٌ للقوادم

وقاتل إذا لم تعط إلا ظلامةً ... شبا الحرب خيرٌ من قبول المظالم

في بحر الوافر، ألا تحسب أن ذلك لن يتأتى له إلا بمضاعفة عدد الأبيات ثم هو لن يقدر بعد ذلك على أن يوجد فيها هذا النفس الرزين الهادئ الذي في طويل بشار؟

وحقيقة الأمر أن الوافر بحرٌ مسرع النغمات متلاحقها، مع وقفة قوية سرعان ما يتبعها إسراعٌ وتلاحق. وهذا يتطلب من الشاعر أن يأتي بمعانيه دفعًا دفعًا، كأنه يخرجها من مضخة، لا في انثيال كما يفعل صاحب المتقارب، ولا في رشاقة ورقص كما يفعل صاحب الكامل.

ولهذا فإنك أكثر ما تجد الوافر في نظم الشعراء ذا أساليب تغلب عليها الخطابة- لا فرق في ذلك بين رقاق الوافرات وفخماتها والخطابة في الوافر جليّ فيها عنصر التكرار والمزاوجة والمطابقة، وحملها الصدر على العجز، والإضراب عن الشيء إلى سواه، وعرض جوانب مختلفة من المعنى الواحد يتبع بعضها بعضًا.

وأحسن ما يصلح هذا البحر في الاستعطاف والبكائيات وإظهار الغضب في معرض الهجاء والفخر، والتفخيم في معرض المدح.

وقد يصلح جدًا لنوع النوادر والنكت التي تصدر عن الحذق والمهارة، وسرعة الخاطر. خذ مثلاً قول الفرزدق في عمر بن هبيرة، وقد ولته بنو أمية العراق (١):

أمير المؤمنين وأنت برٌ كريم لست بالطبع الحريص (٢)


(١) الكامل ٢: ٦٥، ديوانه ٢: ٤٨٧ ومظانها غير ذلك كثير.
(٢) الطبع بكسر الباء: الجشع بكسر الشين.

<<  <  ج: ص:  >  >>