للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أأطعمت العراق ورافديه ... فزاريًا أحذ يد القميص (١)

تفهق بالعراق أبو المثنى ... وعلم أهله أكل الخبيص (٢)

ولم يك قبلها راعي مخاضٍ ... ليأمنه على وركي قلوص (٣)

وهذا الكلام لا يخلو من فكاهة صحيحة. ولكن عامل «النكتة» الصادر عن سرعة الخاطر أوضح فيه. وانظر إلى أثر الوزن البين في ترتيبات الكلمات وصياغة البيت. لا يكاد الشاعر يفرع من «بر» في البيت الأول حتى يتبعها «بكريم»، ثم يُردف ذلك بأوصاف تقرى النعت الأول. ولا يجد الشاعر متنفسًا -من سرعة الوزن- ليخلص إلى معنى آخر. وكذلك البيت الثاني إن تأملته وجدت خلاصته: «أوليت العراق فزاريًا أو بعبارة أدق: أوليت عمر بن هبيرة وهو من تعلم؟ » - وقد


(١) رواية الشعر والشعراء ١: ٣٤ «أوليت» والذي أثبتناه رواية الكامل والديوان واللسان ١٥٥ ص ٢١، وهي أجود، وكانوا يقولون: أطعم أمير المؤمنين فلانًا خراج كذا وكذا. وقوله أحذ يد القميص أي سارق خائن، قال المبرد: «الأحذ: الخفيف، قال طرفة: وأتلع نهاض أحذ ململم. وإنما نسبه لخفة في يده إلى السرقة» - وهذا كتفسيري ابن قتيبة واللسان. وأضاف اليد إلى القميص على الاتساع ولضرورة القافية، وفي تفسير الأحذ سوى ما ذكرنا.
هذا وقد حرف الدكتور مندور رواية البيت في كتابه «النقد المنهجي عند العرب» (النهضة- مصر) ص ٢٧. فروي «أخذ» بالخاء المعجمة، ومصدره الشعر والشعراء، إذ عنه نقل س ٦ - ٧. وفسر الأخذ بالسائل الصديد من خذ الجريح يخذ خذيذًا، إذ سال صديده. ولعل طبعة الشعر والشعراء التي رجع إليها تلك الطبعة الرديئة المليئة بالتصحيف. ولو رجع الأستاذ إلى اللغة والنحو قليلاً، لعلم أن رواية الخاء المعجمة لا تجوز أما من جهة اللغة فالحرف نادر، ولم يعطه صاحب اللسان أكثر من سطر، ولو كان ورد في بيت الفرزدق لكان اللغويون قد استشهدوا به. وأما من جهة النحو، فخذ بالخاء المعجمة من باب ضرب، واسم الفاعل منها «خاذ» لا «أخذ»، ولو جاز لك أن تقول أخذ اليد، أو أخذ يد القميص بمعنى خاذ اليد، أو خاذ يد القميص، لجاز لك أن تقول: هو أكرم الخلق، بمعنى: هو كريم الخلق، وهو أكرم يد النوال، بمعنى هو كريم يد النوال، وأنت تعلم أن قولك: هو أكرم، بمعنى: هو كريم، فيه أخذ ورد وتأويل وما أدري ما أوقع الدكتور مندورًا في هذه الآبدة- وجل من لا يسهو.
(٢) تفهق: أي تملأ من النعمة، وتملأها.
(٣) المخاض: الإبل. والقلوص: الفتية منها. ويكنى بها عن المرأة الشابة والخبيص: ضرب من رقيق الطعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>