للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي جاء في هذا الوزن. فقد ثبت عندك أيها القارئ وعند أكثر النقاد أن ابن أبي ربيعة ينهج نهج الحوار، ويصطنع المغازلة و «المشاغبة»، وهذا نهج تناسبه الأبحر القصار، ولا يكاد يُصلح له الوافر لما فيه من إسراع وتدفع وخطابة وإنشاء. وإنك إذ تقرأ وافريات ابن أبي ربيعة تلفيه يخالف فيها مذهبه المعهود كل المخالفة، حتى إنك لتلتمس شخصه الذي تعرف، فلا توشك أن تلم به، إلا متخفيًا دقيقًا يقارب أن يطل ولا يفعل. خذ مثلاً قوله في عائشة بنت طلحة:

لعائشة ابنة التيمي عندي ... حمى في القلب، لا يُرعى حماها

يُذكرني ابنة التيمي ظبيٌ ... يرود بروضةٍ سهلٍ رباها

فقلت له وكاد يراع قلبي ... فلم أر قط كاليوم اشتباها

سوى حمشٍ بساقك مستبين ... وأن شواك لم يشبه شواها (١)

وأنك عاطل عارٍ وليست ... بعارية ولا عطلٍ يداها

وأنك غير أفرع وهي تدلى ... على المتنين أسحم قد كساها

ولو قعدت ولم تكلف بود ... سوى ما قد كلفت بها كفاها (٢)

أي لو لم تسلب من القلوب سوى قلبي لكفاها ذلك، وهذا إما أن يحمل على غرور المخزومي، وإما على أنه كان قد بلغ من المحبة الغاية التي لا يستطيع أحد أن يربي عليها.

أظل إذا أكلمها كأني ... أكلم حية غلبت رقاها

تبيت إلى بعد النوم تسري ... ولو أمسيت لا أخشى سراها وهذا معنى لطيف- أي أرى خيالها حتى حين أرقد ولم تكن في بالي قبل الرقاد.


(١) الأغاني ١: ١٩٩ الجمش: دقة الساق.
(٢) الأفرع: ذو الشعر الجم. والأسحم: الشعر الأسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>