للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا عمرو إن لاتدع سبي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

يعني على جمجمتك، ومن الجمجمة تخرج الهامة، وهي طائر خرافي.

هذا، والضمير «ني» (١) كما ترى، معاد في كل بيت مما روينا، وهو مكرر في اثنين وعشرين بيتًا من قصيدة ذي الإصبع هاته، وعدة أبياتها ستة وثلاثون والقوافي الأربع عشرة التي ليست بضمير المتكلم مع نون الوقاية، فيها كلمة «مكنون» مكررة مرتين، و «لين» ثلاث مرات. وكأن الشاعر اعتبر الضمير «ني» جزءًا من الكلمات التي وصله بها، وهو كذلك في السمع. وموقعه حسن جدًا كما ترى، والإيطاءات التي في القصيدة لا تعيبها، بل لا يكاد يشعر بها السامع.

وقد غالى ابن رشيق في مسألة الإيطاء والتقفية بالضمائر، فمنع أن تجيء أمثال «تكره» و «نصره» قوافي في القصيدة الواحدة، لأن هاء «تكره» أصلية، وهاء «نصره» ضمير (٢).

وعندي أن التدقيق في القيود إلى هذا الحد فيه تعنت، ويكفي أن نقول على وجه الإجمال: إنه خير للشاعر أن يتجنب الضمائر في التقفية، وألفات التثنية، وواو الجماعة ونونها، وياء التثنية ونونها، ما أمكنه ذلك. ولكن علينا في نفس الوقت أن نعترف بأن الشاعر الحاذق، قد يأتي بكل هذه في المقام المناسب، فيضطرنا إلى قبوله كما فعل ذو الإصبع، وكما فعلت الشاعرة في قولها:

أعمرو علام تجنبتني ... أخذت فؤادي وعذبتني

فلو كنت يا عمرو أخبرتني ... أخذت حذاري فما نلتني (٣)


(١) النحويون يعدون النون للوقاية، والباء هي الضمير، وأولى أن تجعل «ني» كلها ضميرًا. والتعليلات التي يذكرها النحويون ليبرروا بها قولهم "النون للوقاية" كلها واهية.
(٢) العمدة لابن رشيق: مصر ١٩٠٧ - ١ - ١٠٣.
(٣) الأغاني (الدار) ٥: ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>