وكان إيثارها للطويل في هذا المضمار توفيقًا عظيمًا. تأمل مثلاً، قول الأخنس بن شهاب التغلبي (المفضليات):
لكل أناسٍ من معد عمارةٌ ... عروضٌ إليها يلجئون وجانب
لكيزٌ لها البحران والسيف كله ... وإن يغشها بأسٌ من الهند كارب
تطاير من أعجاز حوش كأنها ... جهامٌ أراق ماءه فهو آئب
وبكرٌ لها بر العراق وإن تشأ ... يحل دونها من اليمامة حاجب
وصارت تميمٌ بين قف ورملةٍ ... لها من جبالٍ منتأى ومذاهب
وكلبٌ لها خبتٌ ورملة عالجٍ ... إلى الحرة الرجلاء حيث تحارب
وبهراء حقًا قد علمنا مكانهم ... لهم شركٌ حول الرصافة لاحب
وغارت إيادٌ بالسواد ودونها ... برازيق عجم تبتغي من تضارب
ونحن أناسٌ لا حجاز بأرضنا ... مع الغيث مع ما نلفى ومن هو عازب
فهذا موجز لتاريخ العرب من بني عدنان، ولم يكن القصد منه مجرد تعداد القبائل. وإنما كان يرمي الشاعر ليستثير في ذهن السامع أخبار الأيام والتواريخ. وبيته الأخير وإن كان ينزع منزع الفخر فيه إشارة واضحة إلى أن تغلب قد أُجلوا من ديارهم بعد يوم قضة، فصاروا يتجولون بنواحي الجزيرة. وقد جعل الشاعر من هذا موضعًا للفخر، إذ ذكر أنهم قومٌ لا حجاز بأرضهم، وإنما حجازهم السيوف. وهذا الفخر لا يخفى ما تحته من تحسر على أيام كانت تغلب بتهامة، وكانت فيها شوكة ربيعة.
وقد أحس أبو عبيد البكري بما في هذه الأبيات من قيمة تاريخية، فجعلها خاتمة لفصله الطويل عن أخبار ربيعة في مقدمة كتابه معجم