ولا يخفى ما في هذا الكلام من العاطفة والقوة. وهذا ما يجعلني أرجح أن أبيات الذئب كانت نوعًا من التمهيد والتوطئة له.
وبعد، فقد ذكرنا لك من الأنواع الشعرية التي وردت في الطويل ضروبًا كثيرة. فلعل ذلك يوضح ما ذكرناه بدءًا من أن هذا البحر خفي الدندنة، واسع النفس، رائث النغم، جليل نبيل في جوهره، يتقبل العميق الجاد من الكلام بأوسع ما للعمق والجد من معان.
هذا، ومن حسن الجد أن المعاصرين يعرفون له هذه الخصائص، إلا أن الإقدام عليه قد قل منذ أن طبع الأستاذ عباس محمود العقاد ديوانه الأول. ومن الإنصاف لهذا المعاصر الفذ أن نذكر أن أجود شعره قد جاء في الطويل، ونحيل القارئ الكريم على ديوانه، (وهو عزيز الوجود) ليقرأ فيه كلمته:
أبعدًا نُرجي أم نرجي تلاقيًا ... كلا البعد والقربى يُهيج ما بيا
إذا أنا أحمدت اللقاء فإنني ... لأحمد حينًا للفراق أياديًا
فيا من لنا في كل يوم بفرقة ... تُجدد ليلات الوداع كما هيا
ليال يبيح الدل فيها زمامه ... ويُرخص فيها الشوق ما كان غاليًا
ويا ليلتي لما أنست بقربه ... وقد ملأ البدر المنير الأعاليا
تطلع لا يثني عن البدر طرفه ... فقلت حياء ما أرى أم تغاضيا (١)
بنا أنت من بدر وددت لو أنه ... على الأفق يبدو أينما كنت ثاويًا
غدًا ننظر البدر المضوئ فوقنا ... وحيدين من دارين لم تتلاقيا