الضخمة ذكر فيها حادثًا من أعظم حوادث الإسلام وأجلها خطرًا، وهو مقتل قتيبة بن مسلم، وكان ضلع الفرزدق عليه، لأنه كان يتعصب لتميم، وكان الذي تولى قتل قتيبة وكيع بن أبي الأسود الغداني من رجالات تميم.
ومن عجيب أمر الفرزدق في هذه النونية أنه بعد أن استهلها بخير الذئب أخذ في النسيب، ولم يكن نسيبه شيئًا صناعيًا كأكثر هذا النسيب الذي نجده في القصائد الطوال، وإنما كان شكوى حقيقية من إنسان حقيقي كان به مُغرمًا، وذلك الإنسان هو زوجه النوار، ويكاد المرء يقرأ في وصف الفرزدق للذئب، بعد أن يطلع على أبيات النسيب شيئًا من الرمزية. ألا يجوز أن يكون الفرزدق قد تمثل شبهًا قويًا بين ذلك الذئب الذي رآه، وهاته المرأة التي لا تني توبخه على فجوره وإقذاعه وتطلب منه أن يخلي سراحها؟ أم لا يجوز أن الفرزدق كان يخاطب امرأته في الحقيقة ممثلاً لها في صورة ذئب.
وربما تتبين شيئًا من صدق مزعمي هذا حين أورد لك أبيات النسيب. وهي قوله:
فهل يرجعن الله نفسًا تشعبت ... على أثر الغادين كل مكان
فأصبحت لا أدري أأتبع ظاعنا ... أم الشوق مني للمقيم دعاني
وما منهما إلا تولى بشقة ... من القلب فالعينان تبتدران
ولو سُئلت عني النوار وقومها ... إذن لم توار الناجذ الشفتان
أنظر إلى الشبه بين شطر هذا البيت، وبين قوله:«فقلت له لما تكشر ضاحكًا».
لعمري لقد رققتني قبل رقتي ... وأظهرت في الشيب قبل زماني
وأمصحت عرضي في الحياة وشنته ... وأوقدت لي نارًا بكل مكان
فلولا عقابيل الفؤاد التي به ... إذن خرجت ثنتان تبتدران