للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أحد النقيضين: العنف واللين. وتكاد صبغته على وجه الإجمال تكون إنشائية إذا افترضنا في الطويل صبغة خبرية، وهذا مجرد تقريب وتمثيل.

وبما أن الوصف والقصص مما يغلب فيهما جانب الخبر على الإنشاء، فإن البسيط يتطلب منهما أنواعًا خاصة، وإلا فإنهما لا يستقيمان فيه ولا يصلحان له.

وأضرب لك مثلاً قول النابغة يخاطب النعمان:

ولا أرى فاعلاً في الناس يُشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد

إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فأحددها عن الفند

وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد

وأحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام سراع وارد الثمد (١)

يحفه جانبًا نيق وتتبعه ... مثل الزجاجة لم تُكحل من الرمد

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد (٢)

فأكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد

فحسبوه فألفوه كما زعمت ... تسعًا وتسعين لم تنقص ولم تزد

فالقصص هنا، وإن كان موردًا على سبيل العظة والتذكير، لا يخلو من تعمل وتكلف. والنابغة من قد عرفت في تجويد العبارة وإصابة القصد. وإنما أتي هنا من جهة الوزن الذي سلكه، وشبيه بهذا ما فعله الأعشي، وهو ينظر إلى النابغة في قوله:

ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقًا كما صدق الذئبي إذ سجعا (٣)


(١) الثمد: الماء القليل.
(٢) فقد: فكفى- والقصة تشير إلى ما زعموه من ان زرقاء اليمامة رأت حمامًا، فقالت:
ليت الحمام ليه ... ونصفه قديه ... إلى حماميته ... ثم الحمام ميه
(٣) الذئبي: سطيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>