إلى الحجاج بخبر النصر. فأول ما قاله له أنه جعل ينشد هذه القصيدة. فلما ذكر مطلعها قال له الحجاج: أشاعر أم خطيب؟ فأجاب: كلاهما. وكان كما قال إذ قد جمع في رائيته الطويلة هذه بين المدح والخطابة وتصوير أهوال الحرب فأبدع حق الإبداع. استمع إليه وهو يمدح آل المهلب والأزدونهوضهم وجدهم في إجلاء الخوارج وكسر شوكتهم:
ثاروا بقتلي وأوتار نُعددها ... في حين لا حدث يُرجى ولا وزر
واستسلم الناس إذ حل العدو بهم ... فما لأمرهم ورد ولا صدر
وما تجاوز باب الدرب من أحد ... وعضت الحرب أهل المصر فانجحروا
عنى البصرة، وكان الشراة أحدقوا بها زمن القباع:
وأُدخل الخوف أجواف البيوت على ... مثل النساء رجال ما بهم غير
واشتدت الحرب والبلوى وحل بنا ... أمر تشمر في أمثاله الأزر
نظل من دون خفض مُعصمين بهم ... فشمر الشيخ (١) لما أعظم الخطر
كُنا نُهون قبل اليوم شأنهم ... حتى تفاقم أمر كان يحتقر
لما وهنا وقد حلوا بساحتنا ... واستنفر القوم تارات فما نفروا
وسنعرض لهذه القصيدة الجليلة وشبيهاتها من القصائد في موضع آخر من كتابنا هذا إن شاء الله.
هذا والوصف -وهو أخو القصص- لا يلائم البسيط إلا إذا صحبه روح قوي من حنين أو ألم أو عاطفة ظاهرة جلية، فإن كانت العاطفة التي وراء الوصف من النوع الهادئ المتأمل، فقل أن يصلح البسيط لذلك، وكفى شاهدًا على ما أقول كلمة ذي الرمة الطويلة: