للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو تمر بها بلقيس عن عرض ... قالت هي الصرح تمثيلاً وتشبيهًا

وهنا دقيقة لطيفة، إذ بلقيس حسبت صرح سليمان لجة فكشفت عن ساقيها، فأبدى ذلك عن شعر بهما لم يعجب سليمان. والبحتري هنا يزعم، على مذهب العكس، أنها لو رأت بركة المتوكل هذه لظنتها صرحًا، وإذن لكانت عاقبة ظنها في هذه الحال أسوأ بكثير من عاقبة ظنها في تلك الحال.

تنصب فيها وفود الماء مُعجلة ... كالخيل جارية من حبل مُجريها

كأنها الفضة البيضاء سائلة ... من السبائك تجري في مجاريها

إذا علتها الصبا أبدت لها حُبكا ... مثل الجواشن مصقولاً حواشيها (١)

فحاجب الشمس أحيانًا يُضاحكها ... وريق الغيث أحيانًا يباكيها (٢)

إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبت سماء رُكبت فيها

لا يبلغ السمك المحصور غايتها ... لبُعد ما بين قاصيها ودانيها

يعمن فيها بأوساط مُجنحة ... كالطير تنفض في جو خوافيها

لهن صحن رحيب في أسافلها ... إذا انحططن وبهو في أعاليها

تغنى بساتينها القصوى برؤيتها ... عن السحائب مُنحلاً عزاليها

كأنها حين لجهت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها

وزادها رُتبة من فوق رُتبتها ... أن اسمه حين تُدعى من أساميها

محفوفة برياض لا تزال ترى ... ريش الطواويس تحكيه ويحكيها

والأبيات الأخيرة من هذه القطعة توضح ما ذكرناه آنفًا من أن البحتري عمد إلى الخطابة، وأراد الإشادة بمدح البركة متخذًا ذلك طريقًا غير مباشر لمدح الخليفة نفسه، ولم يرد محض التأمل والوصف.


(١) الجواشن: الدروع.
(٢) تأمل حسن الطباق في هذا البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>