للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعوذ بك بعد إلى ما قلته في بدء حديثي من أن البسيط شديد الصلاحية للتعبير عن معاني العنف والتعبير عن معاني الرقة. خذ مثلاً قصيدتي البحتري والمهلبي في رثاء المتوكل. قصيدة البحتري من الطويل (ديوانه ١: ٢١٥) وها هي ذي نذكرها لك كاملة:

محل على القاطول أخلق دائره ... وعادت صروف الدهر جيشًا تغاوره

كأن الصبا توفى نُذورًا إذا انبرت ... تراوحه أذيالها وتُباكره

ورب زمان ناعم ثم عهده ... ترق حواشيه ويورق ناضره

تغير حُسن الجعفري وأنسه ... وقوض بادي الجعفري وحاضره

إذا نحن زُرناه أجد لنا الأسى ... وقد كان قبل اليوم يُبهج زائره

تحمل عنه ساكنوه فجاءة ... فعادت سواء دوره ومقابره

ولم أنس وحش القصر إذ ريع سربه ... وإذ ذُعرت أطلاؤه وجآذره (١)

وإذ صيح فيه بالرحيل فهتكت ... على عجل استاره وستائره

ووحشته حتى كأن لم يقم به ... أنيس ولم تحسن لعين مناظره

ولم تجمع الدنيا إليه بهاءها ... وبهجتها والعيش غض مكاسره

فأين الحجاب الصعب حيث تمنعت ... بهيبتها أبوابه ومقاصره

وأين عميد الناس في كل نوبة ... تنوب وناهي الدهر فيهم وآمره

تخفى له مُغتاله تحت غرة ... وأولى لمن يغتاله لو يجاهره! (٢)

فما قاتلت عنه المنايا جنوده ... ولا دافعت أملاكه وذخائره

ولا نصر المعتز من كان يُرتجى ... له وعزيز القوم من عز ناصره (٣)


(١) عنى بالوحش: النساء على التشبيه.
(٢) أي فالويل لمغتاله. ليته كان جاهره، أولى: بمعنى ويل، ولو للتمني.
(٣) عنى المعتز بالله، وكان المتوكل يقدمه على ابنه المنتصر، وكان يفكر أن ينزع المنتصر من ولاية العهد ويعهد بها إلى المعتز.

<<  <  ج: ص:  >  >>