للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت هزم القدور فملت (١)

دارت بأرزاق العفاة مغالق ... بيديَّ من قمع العشار الجلَّةِ

وكثيرا جدًا مجيئها علي هذا الروي في الطويل، كما في مفضلية الشنفرى:

ألا أم عمرو أجمعت فاستقلّتِ

وهي سهلة أيضًا إذا جاءت في قافية المتواتر مسبوقة بألف المد، بل هي أسهل في هذه القافية منها في قافية المتدارك، لكثرة جموع التأنيث السالمة، والإجادة في التاء كصاحبتها النون القليلة. وجيادها أقل عددًا من جياد النون ولا سيما في قافية المتدارك، لأنها فيها رتيبة جدَّا، إذا تعتمد التقفية فيها على تأئي التأنيث، خاصة الساكنة منهما، وهذا أمر يشتم منه الإيطاء. وقد أدرك كثيرِّ عزَّة هذا الضعف، فالتزم اللام المشددة مع التاء ليقويها، ولم يتابعه علي ذلك الشعراء المحدثون من بعده، وليتهم فعلوا، فإن شعر المحدثين المستعمل لهذه القافية، لا توجد فيه قصيدة جيدة واحدة -بحسب علمي- تصلح للاختيار. ومن باب الإنصاف للمحدثين الأوائل أن نذكر أنهم تحاموها إلا ما ندر. وقد أكثر منها المتأخرون، حتى ألف ابن الفارض تائيته الكبرى، وهي كرقَى العقارب (لا أعني بذلك مدحها)، وقافية المتواتر أكثر حظا من الجياد، وبحسبها تائية دِعْبل "مدارس آيات" وهي من السهولة بحيث التزم فيها شعراء غير المعري قيودًا لا تلزم، ولم يُسفُّوا (٢)

وقد أطال المعري فيها جداً مع التزاماته الشديدة، ولا سيما في تائيته:


(١) البيتان من الحماسة وأنظر أمالي الدار ١: ١٨ - هزم القدور: صوت غليها. المغالق: قداح الميسر والقمع: شحم السنام، واحدته قمعة. يقول إذا كان الشتاء وجاع الناس، وحتى العذارى الحييات غلبهن حب الطعام، فاستبطأن القدور، وتخطفن اللحم منها، وجعلن يمللنه، فاني أحضر الميسر لأكسب وانحر الإبل للعفاة.
(٢) معجم الأدباء. راجع ٧ - ١٤٦ - ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>