الحال سيميت أكثر الألفاظ التي تستحسن الآن، ويبدل مكانها ما نسميه سوقيًا ومبتذلا. ولعل جريدة الـ Daily Mirror البريطانية، مثالٌ من أمثلة هذا الاتجاه الخبيث في الأدب الحديث.
هذا، ومما يلائم ما نحن بصدده، أن نذكر أن بعض الشيوعيين قد بلغ بهم الجنون المذهبي، والتطرف السياسي، أن شغلوا أنفسهم دهرًا بتحديد موقف اللغة من الطبقات. وقد كان بعضهم فيما نمي إلينا ينادون بمحو اللغة الروسية الأدبية محوًا تامًا، زاعمين إنها كانت لغة "الأرستقراطية" و"البرجوازية" و"الظلم" وهلم جرًا، ويدعون إلى استبدالها بلغة أخرى شعبية، أشد اصطباغًا بلون "الواقع المادي" كما يقولون، ولكن ستالين تدخل في الأمر، لا أدري أبا لحجة أم بالسيف، وأقنع المتطرفين بأن اللغة القديمة، إن كانت من اختراع ضباع القياصرة والأرستقراطية، فهي صالحة كل الصلاحية لخدمة "الكادحين"، والتعبير عن آلامهم وآمالهم. فارعوى المتطرفون وأنابوا. وكفي عزاءً لهؤلاء المتطرفين، أن الصحافة الحديثة الهجينة سائرة في ضوء نظرياتهم بخطا حثيثة. وعندما تنتصر الألفاظ السوقية "الواقعية" على ألفاظ المتأدبة من الطبقات الوسطى، التي ورثوها عن العلية والأرستقراطية الماضين، فمرحي مرحي لعلق وصرم بالمعنى المبتذل، والويل لعلق مضنة، ولنحو "ولشر واصل خلةٍ صرامها"، ومن يدري فربما امتدت أيدي الحظوظ حتى تنتشل أمثال جحمرش، وخنفقيق، وزلخة، من أعماق المعاجم، لعدم ارتباطها الآن بطبقة من الطبقات. ولعلها -أعني جحمرشا وأخواتها- لو أتيح لها أن تتمثل بالشعر الآن، أن تنشد من قول أبي العلاء المعري بيتيه:
سيطلبني رزقي الذي لو طلبته ... لما زاد والدنيا حظوظ وإقبال
إذا صدق الجد افتري العم للفتي ... مكارم لا تكري وإن كذب الخال