ألا ترى أن الصورة الآدمية لا تتعري من زينة الملبس وما بمنزلته الا نادرا؟
ألا ترى أن الجمال العاري نفسه لا يخلو من زينة وزركشة تخطها يد الله، فضلا عن، وزيادة على، سلامة التقاطيع، واستقامة القامة، وصحة البنية، وغير ذلك من الصفات التي يكون بها افصاح الخالق بمعني الصورة البشرية من غير ما زوائد؟ خذ نونات الخدود مثلا، وجعودة الشعر، وبلاتينيته، والخال الذي في الخد، وشدة اللعس في الشفة، وغير ذلك من هذه المظاهر الطبيعية التي تزيد جمال الجميل- ألا ترى أن كل ذلك ضرب من التزيين والتحسين زاد على مجرد السلامة والقبول والبهجة؟ فإذا كان المبدع الصانع الخالق نفسه لا يدع ما يخلقه من زخرفة وتزيين، أليس أقرب في حق البشر أن يكونوا أشد رغبة في التزيين، وأقوي تعلقا به؟ ثم ألا تحسب أن البشر إنما أخذوا فكرة التزيين نفسها عما خطته يد القدرة والطبيعة؟ خذ مثلا صبغ الشفاه بالإثمد في السودان. ألا يخطر ببالك أن ذلك محاكاة من الناس لما يرونه في بعض الشفاه من لعس طبعي؟ وكذلك الصبغ بالحمرة عند الافرنج؟ - ألا ترى أنه محاكاة لما يرونه من تورد طبعي في بعض الشفاه الحسان؟
هذا، وكما أن الرغبة في التحسين ناشئة عن طلب الزيادة على جمال الطبيعة، بمحاكاة بعض مظاهره، فهي أيضا ناشئة عن الرغبة في الحد والتقليل من قيمة الجمال الطبيعي، ويبدو لي أن للحسد ضلعًا قويًا في هذه الظاهرة الثانية من مظاهر التحسين.
ألا ترى أن الانسان إذا استحسن صفة ما في شخص آخر، بدا له أنه يضاهي ذلك الإنسان في تلك الصفة، وتمنى أن لو قد كان ذلك الإنسان ليس بأكثر منه حسنا، أو ليس بمالك لتلك الصفة التي تكسبه ما تفرد به من الجمال؟ لا، بل لتمنى أن لو يجد سبيلا إلى أن يسلبه تلك المزية سلبا حتى يكون مساويا له، غير متميز عنه بشي. ألا تري معي أن صبغ الشفاه بالإثمد يراد منه حرمان اللعساء لعسها الطبعي، كما يراد منه إكساب غير اللعساء لعسا صناعيا؟ وقل مثل ذلك في اسفاف اللثات النؤور