للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ قد نفى "كانت" أن تكون للجمال حقيقة موضوعية، فقد أثبت له حقيقة ذاتية. ومراده من ذلك، أن كل فرد منا يحس بالجمال ويقدره، ونحن في جملتنا متشابهون فبناء على هذا، لابد أن يكون إدراكنا للجمال متشابهاّ، ويستنتج من ذلك إمكانية وجود حقيقة للجمال بالنسبة إلينا معشر البشر، وتكون هذه الحقيقة مدركة إدراكًا ذاتيًا شخصياّ، لا موضوعياّ، بخلاف الحقائق العلمية، كحقيقة الجاذبية مثلا، التي تفعل فعلها، ويصدق تعرفيها، بغض النظر عن الذات المشاهدة لها.

هذا ولا يملك المرء إلا أن يستحسن ما قد ذهب إليه "كانت" من التفريق بين حقيقة الجمال، والحقائق العلمية. إلا أن وصفه لحقيقة الجمال بانها لا موضوعية محل للنظر (١). وهنا نتساءل: ما هو مراد "كانت" من الموضوعية أمر يصدق صدقًا ضروريًا بدهيًا، وليس على الباحث إلا استخلاصه بواسطة الاستقراء العلمي المنطقي الصحيح، الذي لا يتأثر بالعواطف. فلا أدري كيف يستطيع نفي الموضوعية عن حقيقة الجمال وحده هذا النفي الجازم، ولا ينفيها عن غيرها من الحقائق؟ حقًا، إن استبعاد العواطف الذاتية في اثناء البحث عم حقيقة الجمال، فيه عسر شديد. وكذلك في البحث عن أي حقيقة أخرى عسر شديد. وقد يجوز للمتطرف أن ينكر الموضوعية الحقة، حتى للنظريات العلمية الجافة. وقد أنكر الغالي موضوعية للزمان والمكان، وجعل كل ذلك أمرًا نسبيًا، ناشئًا عن انحصار الذهن البشري وذاتيته المتأصلة (٢) وقد أنكر الفيلسوف البريطاني "برتراند راسل" على "كانت" مذهبه في القول بضرورية بعض البديهيات، وانبعاثها من إلهام فكري حق محض، مدعيًا أن لا بدهيات، وأن حقيقة الأعداد مثلا، وإنما انبعثت من التجربة الحسية (٣)، وهي من أجل ذلك عرضة لكل الشكوك


(١) ليرجع إلى كانت. أما الكاتب فانما استقى مادته نقلًا عن الموسوعة البريطانية.
(٢) تهافت الفلاسفة للغزالي (مصر ١٩٤٧ - ٧٢).
(٣) History of Western hilosopshyby Bertrand Russel. (London ١٩٤٦) of: ٧٣٩ - ٧٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>