للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والريب التي ذكرها "هيوم" وغيره. ومهما يكن من شيء، فلا ريب أن تأصل الذاتية في التفكير الإنساني حقيقة لا مدفع لها، ولا مفر منها.

والذي يجدر بالعاقل أن يقصد إليه، هو الجد، ومحاولة التجرد من الأهواء، وطلب الاستناد على الأدلة التي يقبلها العقل والمنطق المتماسك. فان كان هذا هو المراد بالموضوعية فليست حقيقة الجمال بعسير دخولها في هذا النطاق.

نعم، قد يجد الباحثون عسرًا في اتباع الأسلوب الاستقرائي وهم يتحدثون عن الجمال، وقد يلقون مشقة في تجنب الإلقاء بالقضايا العامة الصادرة عن الهوى.

ولكن ليس معنى ذلك استحالة الوصول إلى نتائج منطقية مرضية، في داخل حدود الطاقة البشرية على أنه ينبغي لنا أن نستفيد من وصف "كانت" لحقيقة الجمال بأنها لا موضوعية، ومن تفريقه بينها وبين الحقائق العلمية الجافة، ذلك بأن الحقائق العلمية الجافة، ليست في القرب من خويصة النفس بمنزلة الحقيقة الجمالية- أعني بذلك أنه من الممكن توهم بعد هاتيك وانعزالها عنا، وكوننا منها بمنزلة المتفرج، في حين أن حقيقة الجمال تتصل بنا اتصالا مباشراّ، لا يبرح أن يلون نظرتنا بالوان، ربما حالت بيننا وبين الجد المحض في تعرف كنها، وإدراك جوهرها.

هذا، ولا اريد أن أعني القارئ بنقل ما قاله الفلاسفة عن حقيقة الجمال، وعندي أنها حقيقة حسية، تدركها انت بالحواس، وبخاصة السمع والبصر. وحدها:

أن كل ما سر النفس من طريق الحواس الخمس (أم هي ست أم سبع) ولا سيما العين (١) والاذن، هو جميل. والجمال خصال مدركة بالحواس، وبخاصة هاتين الحاستين معاّ، أو منفردتين، من شأنها أن تسر النفس. فمثال المسموع: الصوت


(١) على أن في هذا نظرًا لقوله تعالى: {لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] فلا يد للبصيرة من عمل عظيم في إدراك حقيقة الجمال. وكم من بدن حسن ظاهر الهيئة تنفر منه النفس نفورًا. والله على كل شيء قدير. وانظر حديثنا عن الانسجام فعسى أن يقع فيه استدراك بعض هذا والله تعالى أعلم.
(٢) توفي رحمه الله في مارس سنة ١٩٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>