الحسن. ومثال المرئي: المنظر الحسن، ومثال المسموع المرئي: الشلال مثلا، فإن له منظراّ حسناّ، وخريراّ حسناّ. ولله در الشاعر المبدع محمد المهدي المجذوب رحمه الله (٢)، إذ يقول في نعت بعض الفاتنات:
شعرها العسجدي ينثال كالشلال ينصب في قرار النفوس
وأول القصيدة:
تلك لوسي فجنباني لوسي ... رب كأسٍ تدير أعتى الرؤوس
هذا ولعلك، تقول: لماذا خصصت السمع والبصر دون سائر الحواس، والجواب عن ذلك، أني وجدت أن المذوقات والمشمومات والملموسات جميعًا أدخل في حاق الالتذاذ الجسدي، من المرئيات والمسموعات.
وكأن ما يلذك شمه أو ضمه أو ذوقه، يعطيك شعورًا جسديًا محضًا، خاليًا من الأبعاد الزمانية والمكانية، بخلاف المسموع والمرئي، فانهما لا يخلوان من بعدي الزمان والمكان.
والبعد المكاني أوضح في المرئي. والبعد الزماني أوضح في المسموع. والعين أقدر على ادراك المكان من الأذن. والأذن أقدر على إدراك الزمان من العين. والمكان أوضح للذهن الواعي من الزمان لتحيزه، وظهوره بمظهر الاستقرار والجمود، بحيث يمكن المرء من اختيار دقائقه وتفصيلاته اختبارًا كاملا، ولذلك كان استعمال المرئيات في معرض التوضيح والتبين، شائعاّ عند العلماء والنقاد والوصافين، ولذلك أيضاّ كثر تشبيه كثير من المدركات المسموعة، بالمدركات المرئية، بغرض التوضيح والإظهار. والزمان أعلق بالذهن الواعي، وبالنفس المحسة من المكان، لأنه أشبه بطبيعة الحياة، التي هي زمان يمر، وأنفاس تتعاقب، فلذلك كان التعبير عن طريقة أقوي وأشد، أليس عامل الزمان في المسموعات أوضح وأبين من عامل المكان؟ - خذ الكلمات مثلا، أليست صبغة الزمان أغلب عليها؟