يعاد فيه بيت كامل أو بيتان، للفصل بين أقسام القصيدة الواحدة، مثال ذلك قول المهندس رحمه الله:
أين من عيني هاتيك المجالي ... ياعروس البحر يا حلم الخيال
فقد كرر هذا البيت عدة مرات في قصيدته. وهذا النوع من التكرار في صيغته العصرية التي نجدها عند المهندس وكثير غيره. مأخوذ من الأساليب الافرنجية، حيث يكثر الشعراء من استعمال إعادة الأبيات، ويسمون ذلك بالإنجليزية refrain. ويبدو أن اللغة العربية قد عرفت هذا النوع من الإعادة في دهرها الأول، حين لم تكن أوزانها وقوافيها قد بلغت النضج والقوة والاستواء الذي بلغته في العصر الجاهلي.
والذي يدلنا على أن العربية قد عرفت هذا النوع من التكرار أمران: أولهما أننا نجد نحوا منه في القرآن، في بعض السور المكية، مثل {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سورة الرحمن، ومثل {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} في سورة القمر. ولا أحسب أن القران قد فاجأ العرب بضرب جديد من التأليف، إذ التزم هذا التكرار في هذا التكرار في هذه السور، ونحوا منه في غيرها. ولو قد كان ضرباّ جديداّ من التأليف، لكانوا قد طعنوا فيه ولكننا لم يبلغنا أنهم قد فعلوا ذلك.
ولعل قائلًا أن يقول: إن القرآن نثر، فكيف نتخذ من أسلوبه أدلة نتحدث بها عن الشعر؟ وهذا الاعتراض في ظاهره مقبول. ولكننا قد أسلفنا بدءًا أن نظام الوزن والتقفية لا بد أن تكون قد سبقتهما أجيال من التجربة. وأن أسلوب السجع لا بد أن قد كان شيء مشابه له هو الأسلوب الشعري عند العرب البادئين الاولين. يدل على ذلك محافظة الكهان عليه. والصلة بين الكهانة والشعر قوية (١). ولما جاء الإسلام كان أسلوب النثر العربي قد استقر على سجع الكهان والخطباء والقصاص.