للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقافيته، ومعناها متعلقا به حتى أن الذي يعرف القصيدة التي البيت منها إذا سمع أول البيت عرف آخره وبانت له قافيته" وتمثل قدامة بقول الراعي:

وإن وزن الحصى فوزنت قومي ... وجدت حصى ضريبتهم رزينا (١)

وقول العباس بن مرداس:

هم سودوا هجنا وكل قبيلةٍ ... يبين عن أحسابها من يسودها

وقول مضرس بن ربعي:

تمنيت أن ألقي سليما ومالكا ... على ساعةٍ تنسي الحليم الأمانيا

وزاد أبو هلال:

ضعائف يقتلن الرجال بلا دمٍ ... ويا عجبًا للقائلات الضعائف

وقول نصيب:

وقد أيقنت أن ستبين ليلى ... وتحجب عنك لو نفع اليقين

ومما تمثل به أيضًا قول البحتري:

فليس الذي حللته بمحللٍ ... وليس الذي حرمته بحرام

وهذا الشاهد لا يدخل فيما نحن فيه بشيء، لأنه لا إعادة فيه، وإنما فيه الطباق وعندي أن أبا هلال وقدامة كلاهما قد أخطأ من حيث جعلا إمكان معرفة القافية مقياسا يقيسان به فتكرار الحصى في بيت الراعي و"سودوا" و"يسودها" في بيت العباس و"تمنيت" و"الأمانيا" في بيت ابن ربعي و"الضعائف" و"اليقين" في الأبيات التي استشهد بها أبو هلال، كل ذلك لافتٌ في حد ذاته، بعض

الطرف عن كونه دالا على القافية أولًا. وقد اضطرت قاعدة القافية أبا هلالٍ أن يستشهد ببيت البحتري في ضمن ما أستشهد به، وبيت البحتري كما قد لمحنا، شاهدٌ في الطباق، وأن يستشهد ببيت المتنبي "فقلقلت بالهم" وهو أدخل في باب التجنيس.

وقد فطن ابن رشيق إلى ضعف الاستشهاد بسهولة معرفة القافية وحده. فأدخل التوشيح في باب التصدير (٢) وهو الباب الذي سماه أبو هلال: رد الأعجاز على الصدور (٣) والعجب لأبي هلال كيف أفرد في كتابه بابين، أحدهما للتوشيح، والآخر لرد الأعجاز على الصدور، ولا يكاد القارئ يتبين فرقا بين البابين- وهاك دليلا على ذلك بعض ما تمثل به من الأبيات، قول أحدهم:

تلفى إذا ما الأمر كان عرمرما ... في جيش رأيٍ لا يفل عرمرم


(١) الضريبة: هي الطبيعة والشيمة. يعني: إن حلوم قومي تزن الصخر رزانة.
(٢) العمدة أول الجزء لثاني.
(٣) الصناعتين: ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>