للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتنسى إذ تودعنا سليمى ... بفرع بشامةٍ شقي البشام (١)

تركت محلئين رأوا شفاءً ... فحاموا ثم لم يردوا وحاموا (٢)

فلو وجد الحمام كما وجدنا ... بسلمانين لاكتأب الحمام (٣)

انظر إلى تكرار الخيام في البيت الأول، والمقام في الرابع والشام في الحادي عشر والجناس التام في البيت الثاني عشر (وهو هنا من قبيل التكرار) والحمام في اليت الثالث عشر. ثم انظر إلى قوله "بنفسي" في البيت السابع، وقوله "فدى نفسي لنفسك" في البيت العاشر -ألا تجد هذا التكرار كله أنما عمد فيه الشاعر إلى تقوية الوزن، وزيادة رنة اللفظ، بالاقتصاد في الكلمات، عن طريق إعادة كلمة واحدة او أكثر منها، وكأنه يرتغ ألا تذهب عنك رنة الوزن وجلجلة اللفظ تحت ثقل كلمات كثيرة متباينة إذا هو لم يعمد لى الترديد والإعادة؟ ألا تجد قول جرير: "سقيت الغيث أيتها الخيام"، وقوله "سقى البشام" كأنما هو تقطيع للوزن وترجيح نغمي محض، وأحسب أنه لو لم يكن في نحو هذا النوع من التكرار زيادة في الأداء وحلاوة في المعنى والنغم، ما كان تردد جرير أن يضع مكانه مثلًا: ترم تم تم، ترم تمتم ترامو. أو شيئًا من هذا المجرى ليكمل الوزن بالتقطيع!

والنوع البديعي الذي يسميه قدامة بالتوشيح (٤) وتابعه على ذلك أبو هلال يدخل تحت صنف التكرار النغمي. وحده عند قدامة "أن يكون أول البيت شاهدّا


(١) البشام: ضرب من الشجر من فصيلة العضاء.
(٢) المحلأ: الممنوع من الماء، والماء أماه. فحاموا: أي داروا وطافوا وحاموا الثانية: أي عطشوا، جناس تام.
(٣) إنما خص الحمام لأنه يضرب به المثل في الجد، ويقال: ما زال الحمام ينوح على الهديل وهو هالك من فصيلته، هلك في العهد الخالي.
(٤) نقد الشعر ٦٦، والصناعتين: ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>