للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلفى أنواع كثيرة من التكرار قريبة النسب منها، ترى صغبة النغم أوضح فيها وأقوى من صبغة الخطابة والإنشاء. تأمل مثلا قول جرير (١):

متى كان الخيام بذي طلوح ... سيقت الغيث أيتها الخيام

تنكر من معارفها ومالت ... دعائمها وقد بلي الثمام (٢)

تغالي فوق أجرعك الخزامي ... بنور واستهل بك الغمام (٣)

مقام الحي مر له ثمان ... إلى عشرين، قد بلي المقام

أقول لصحبتي لما ارتحلنا ... ودمع العين منهر سجام (٤)

أتمضون الرسوم ولا تحيا ... كلامكم علي إذن حرام (٥)

بنفسي من تجنبه عزيز ... علي ومن زيارته لمام (٦)

ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام (٧)

أليس لما طلبت فدتك نفسي ... قضاه أو لحاجتي انصرام (٨)

فدى نفسي لنفسك من ضجيع ... إذا ما التج بالسنة المنام (٩)


(١) ديوانه: ١٥٢.
(٢) "من" بمعنى الاستغراق هنا، وسوغه اشتمال الفعل لمعنى النفي: أي لم يتبين شيء من معارفها، ومالت دعاماتها، وبلى ثمامها. والثمام: ضرب من النبت يستعمل في إقامة الأحوية والأكواخ.
(٣) يدعو لها بأن يتغالى فوقها الخزامي بالنوار الزاهي. والأجرع: هو السهل الدمث.
(٤) أي ساجم. واستعمل الجمع لوصف الدمع، وهو مفرد، لأن فيه معنى الجمع.
(٥) رواية النحويين: "تمرون الديار ولم تعوجوا". والشاهد فيه حذف حرف الجر. ورواية النحويين أقوى فيما يبدو.
(٦) لملم: أي فترة بعد فترة.
(٧) أي يطرقني في الطيف. جعل الشاعر نفسه من ضمن النيام لا صاحيًا والناس نيام، والحبيبة تتسلل إليه تسلل المريب.
(٨) أي لا تعطيني ما أصبوا إليه من الوصل، أم لم يكتب لي أن أسلو عنك وتنصرم -أي تنقطع- حاجتي إليك.
(٩) هذا معنى دقيق. يقول: أنت ذكية الرائحة حتى حين لا تتطيبين. والمعهود في النوم إذا أخذ المرء على غرة أن يغير من رائحة الفم. وهنا يؤكد جرير أن الحبيبة نعم الضجيع حتى حين يفاجئها النوم وتنقلب سنتها إلى نوم عميق.

<<  <  ج: ص:  >  >>