فهذا أدخل في سنخ التكرار النغمي من الأول. وليبد يصف هنا الحمار الوحشي وأتانه وهما مجدان في السير، وقد تنازعا غبارا طويلا يلقي ظلاله على الأرض، هذه الظلال تشبه دخان نار مشعلة قد غلثت: أي خلطت بنايت عرفج أخضر، فعلا دخانها، وارتفعت اسنامه.
ألا ترى أن لبيد أعاد قولة "كدخان نار ساطع أسنامها" لا لتأكيد المعني كما قد يتبادر إلى الذهن، وانما لتأكيد نغمة الشطر السابق عند قوله "كدخان مشغلة" وكأنه أعجبه ذلك الشطر فأراد أن يتلذذ بإعادته، وإن كان ذلك بلفظ مخالف شيئا فعل هذا يبين لك ما زعمناه من أن امرأ القيس كرر تشبيه الثريا بأنها مربوطة إلى صخور يذبل، بغرض التلذذ بالنغم.
هذا، وسوى هاته الأصناف من التكرار الواضح أنها من أسآر نوع قديم من النظم، شيبه بتكرار الأبيات الذي نجده في الاشعار المعاصرة وفي نظم الأوروبيين،
(١) يقول: يا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال كلها متين أغير فتله إلى جبل يذيل، وكأن الثريا علقت في مصامها: أي موقفها بحبال شديدة إلى صخور هذا الجبل.