للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا صخر جاء له من غير مورده ... بصارمين معا لم يثبه وجل

يا صخر خضخض بالصفن السبيخ كما ... خاض القداح قمير طامعٌ خصل (١)

يا صخر ثم استقى ثم استمر كما ... يمشي السبنتي سروب ظهره خضل (٢)

يا صخرهم يبعثون النوح منقطع ال ... لميل التمام كما تستوله العجل (٣)

فيهم طعان كسفع النار مشعلة ... إذا معاشر في واديهم تبلوا (٤)

تأمل تكرار "صخر" هنا مع يا النداء، كيف جاء به الشاعر في عرض سياقه، حتى أنك لو حذفته، ما تأثر السياق بشيء. فهل تحسب أن تكرار الشعر لهذا الاسم على هذا المنهج جيء به لمجرد الخطابة، أم هو تكرار مساير للوزن، مقو للنغمة، فيه نفحة من نفحات أسلوب شاعري قديم كان يقع فيه التكرار أكثر من هذا.

ولعله يجوز لنا أن نلحق بهذا النوع من التكرار الترنمي الجاري مجرى refrain

نحو قول امرئ القيس في المعلقة:


(١) الصفن: إداوة: يغرف بها الماء. والسبيخ: الريش الطافي على الماء. والقمير: المغلوب في القمار والخصل بكسر الصاد: هو الذي يكبر الخطر في القمار، ويزيد في الخصل طمعا في المكسب. والمعنى أن هذا الرجل خضخض الريش الطافي بصفته ليسقي، فعل ذلك في هدوء ورباطة جأش، كما يفعل المقور ذو الخصل الكبير حينما يخضخض القداح حتى تختلط، ويضمن بذلك أن حظه سيأتيه نزيها من غير مخادعة من مخادع.
(٢) ثم استقى هذا الرجل ومضى يمشي مشية النمر. ووصف الشاعر النمر بأنه ظهر خضل: أي ندي من القطر. ويروى: سبنتي، بدون الألف واللام.
(٣) قوله هم، يعود على الجماعة الذين أدركوا الثأر. يقول: إنهم فرسان بئيسون، لا يغيرون في الصبح وحده، ولكن في "الليل، ويقتلون الرجال، فتقوم النساء نائحة عليهم، كأنها بقر فاقدات، أضللن أولادهن، أو أكل أولادهن السباع. والنوح بفتح النون وسكون الواو: جماعة النساء النائحات. والعجل بضمتين: جمع عجول، وهي التي فقدت ولدها من البقر والإبل.
(٤) أي في هؤلاء القوم الذين أمدحهم، منعة ودقة وإدراك للثأر، ورماح طوال وطعان كسفع النار المحرقة، وإذا رضي الناس بدون، وبأن يتبلوا: أي يصابوا في واديهم وديارهم، فهؤلاء لا يرضون بذلك بل يسعون إلى ديار العدو، ويحدثون التبل فيهم. والتبل: هو الثأر، بسكون الباء وتبلته: أي وترته وسفعته النار: أي لفحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>