للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله "لو كان يعقل" هنا لا يمت إلى ما سبق بصلة لفظية، وإنما طلبه المعنى واحتاج إليه.

وقد وفق ابن رشيق حين بسط العبارة وجعلها شاملة في معرض حديثه عن التصدير وذلك قوله: "هو أن يرد أعجاز الكلام على صدوره، فيدل بعضه على بعض، ويسهل استخراج قوافي الشعر إذا كان كذلك، وتقتضيها الصنعة، ويكسب البيت الذي يكون فيه أبهة، ويسكوه رونقا وديباجة، ويزيده مائية وطلاوة". فأنت ترى هنا أن ابن رشيق يدرك قوة الصلة بين القوافي وبين ترديد الكلمات من الأعجاز إلى الصدور، ويفهم ارتباط ذلك كله بنغم البيت. إلا أنه لا يجعل سهولة معرفة القافية قاعدة وأصلًا يفهم به جوهر هذا الضرب من البديع. وإنما يكتفي بأن يذكر أن هذا النوع من البديع يسهل استخراج القوافي، ويجعلها شديدة الانتساب إلى سائر لفظ البيت. وهذه العبارة كما ترى أدق من عبارتي قدامة وأبي هلال.

غير أن ابن رشيق يهم وهمًا شديدًا، حين يسمح لنفسه أن ينزلق في دحض قدامة وأبي هلال، فيخص التصدير بالقوافي ويذكر أن له أخًا اسمه الترديد (١)، غير مختص بالقوافي. ولو تأمل المرء حقيقة الترديد كما ذكره اين رشيق ود أنه من صنف التكرار اللاحق بالمعاني لا النغم، وسنفصل الحديث عنه إن شاء الله فيما بعد.

ولعل القارئ قد تبين مما تقدم اضطراب المصطلحات التي اصطلحها قدامة وأبو هلال وابن رشيق على ما بينهم من التفاوت في الدقة والإصابة. ذلك بأنهم غفلوا جميعًا عن طبيعة التكرار من حيث هو تكرار، والطاق من حيث هو طباق، والجناس من حيث هي صياغة فالبيت الذي يجدون فيه قافية ترجع إلى صدر البيت أو كلمة من عجزه زعموا


(١) العمدة ١: ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>