للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن فيه تصديرًا. والذي يشعر أوله بمقطعه وتركيبه بقوا فيه، زعموا أن فيه توشيحا- على حد تعبير قدامة وأبي هلال. والذي يشبه قول زهير:

من يلق يومًا على علاته هرمًا ... يلق السماحة منه والندى خلقا

زعموا أن فيه ترديدا. وما كان أغنانا عن هذه المصطلحات الكثيرة التي تحوم كلها حول سنخ واحد، ولا نفيد إلا تكثير المصاعب أمام الباحث والطالب. والذي أراه أن النوشيح ورد الأعجاز على الصدور كليها (١) داخلان فيما وسمناه بالتكرار النغمي، المراد به تقوية الجرس. وهما من هذه الجهة من قبيل التكرار الذي في شعر أبي المثلم والمهلهل، وأصله في زعمنا، أسلوب قد اندثر من أساليب النظم كان يلتزم فيه الشعراء إعادة الأشعار والأبيات على نحو قريب من Refrain التي عند الغربيين.

ومن أجود الشعراء تكرارًا جرير. وقد رأيت مثالا من نظمه هنا. وقد ذكرنا لك ميميته في هشام، ودماغته في بني نمير. ولعلك تذكر أيها القارئ كيف افتن جرير في تكرار "بني نمير" في البائية، وكيف ردد قوله "أمير المؤمنين في الميمة" (٢) وهاك مثالًا آخر من تكراره الذي يلعب فيه بالألفاظ لعبا (٣):

ألا حي الديار وإن تعفت ... وقد ذكرن عهدك بالخميل

وقد خلت الطلول من آل ليلى ... فما لك لا تفيق عن الطلول

لقد شعف الفؤاد غداة رهبى ... تفرق نية الأنس الحلول


(١) ستثني من ذلك الأمثلة الكثيرة التي شوش بها النقاد في بابي التصدير والتوشيح مثل قول أبي الأسود:
وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... ولا كل مؤتٍ نصحه بلبيب
فهذا أدخل في باب الموازنة.
(٢) راجع المرشد ١: ٣٨.
(٣) ديوانه: ٤٢٢ قوله تعفت: أي درست وبليت. شغف بالعين المهملة بمعنى شغف بالغين المعجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>