للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا رحلوا جزعت وإن أقاموا ... فما يجدي المقام على الرحيل

أخلاي الكرام سوى سدوس ... ومالي في سندوسٍ من خليل

وقد علمت سدوس أن فيها ... منار اللؤم واضحة السبيل

إذا أنزلت رحلك في سدوسٍ ... فقد أنزلت منزلة الذليل

فما أعطت سدوس من كثيرٍ ... ولا حامت سدوس عن قليل

ومن أسد المتأخرين طريقة في التكرار النغمي أبو عبادة البحتري، وكأنه كان ينظر من طرف خفي إلى ترنم جرير، ويحاول أن يسلك مسلكه. خذ قوله مثلا (١):

شوق إليك تفيض منه الأدمع ... وجوي عليك تضيق عنه الأضلع

وهوى تجدده الليالي كلما ... قدمت وترجعه السنون فيرجع

إني وما قصد الحجيج ودونهم ... خرق تخب به الركاب وتوضع (٢)

أصفيك أقصى الود غير مقللٍ ... إن كان أقصى الود عندك ينفع

وأراك أحسن من أراه وإن بدا ... منك الصدود وبان وصلك أجمع

يعتادني طربي إليك فيغتلي ... وجدي ويدعوني هواك فأتبع

كلفًا بحبك مولعًا ويسرني ... أني امرؤ كلف بحبك مولع

ألا ترى حرص البحتري هنا على الترنم وتأكيد النغم، والتلذذ بترديده وإعادته؟ دع عنك تكراره "لترجع" في البيت الثاني و"أرى" في البيت الخامس وانظر إلى قوله "أصيفك أقصى لود" في صدر الرابع، وقوله "إن كان أقصى الود" في عجزه؛ وإلى قوله: "كلفا بحبك مولعا" في صدر السابع وقوله "كلفٌ بحبك مولع" في عجزه. فهذان التكراران، مع اشتمالهما على لون عاطفي خطابي، أوضح


(١) ديوانه ٢: ٧٥.
(٢) أخب وخب: ثلاثي ورباعي: أي أسرع، والخبب من سير الإبل، وكذلك الإيضاع. والخرق: هو الفضاء. تنخرق فيه الريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>