للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء فيهما إراغة الترنم والتنغيم والاستمتاع بموسيقا التفعيلات، وإظهار الانسجام بينها وبين لفظ البيت وكلماته المؤلفة.

وهاك مثلا م شعره؛ قاله في إبلال الفتح بن خاقان من علة كانت ألمت به (١):

دفاع الله أقر منا ... نفوسًا جد طائشة العقول

وصنع الله فيك أزال عنا ... ترجح ذلك الحدث الجليل

وذاك لغيبك المأمون سرًا ... وظاهر فعلك الحسن الجمل

وما تكفيه من خطبٍ عظيمٍ ... وما توليه من نيلٍ جزيل

وقد كان أبو الطيب المتني رحمه الله ممن يكثرون من التكرار الترنمي، ويحذقونه غاية الحذق، وكان لشدة حرصه عليه، ربما تكلف له الكلف أحيانا، فأسقطه ذلك في الدهارس. مثال ذلك قوله (٢):

قبيل أنت أنت، وأنت منهم ... وجدك بشر الملك الهمام

فحرص المتنبي هنا على تكرار النغم أوقعه في آبدة نحوية، وذلك تأخيره واو الاستئناف عن موضعها، وكان وجه الكلام أن يقول، قبيل أنت أنت، وجدك كذا وكذا، ولو كان أورد قوله هكذا لجاء مستقيما. ولكن الوزن لم يمكنه فاضطرا إلى التقديم والتأخير. فالعيب هنا ليس من التكرار نفسه، وإنما من التعقيد في التركيب. ويجري هذا المجرى قوله من كلمة أخرى (٣):

جفخت وهم لا يجفخون بهابهم ... شيم على الحسب الأغر دلائل


(١) ديوانه ٢: ١٦١.
(٢) من قصيدته: فؤاد ما تسليه المدام.
(٣) من قصيدته: لك يا منازل.

<<  <  ج: ص:  >  >>