للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالتقديم والتأخير في هذا البيت هو سبب الاضطراب. وكذلك ما فعله في قوله (١):

فتبيت تسئد مسئدًا في نيها ... إسادها في المهمه الإنضاء

وغرضه أن يقول: إن الإنضاء، وهو التعب الشديد والضعف يبيت مسئدا (٢)

وساريا في لحمها، فيننقصه ويأكله، كما تسئد هي في المهمه وتنتقصه من أطرافه بالسير المغذ المجد. وهذا البيت ينظر إلى قول أبي تمام:

رعته الفيافي بعد ما كان حقبةً ... رعاها وماء الروض ينهل ساكبه (٣)

وآفة بيت المتنبي كما ترى من تعقيد التركيب لا من التكرار. وللمتنبي بعد في التكرار النغمي آيات لا تجاري، ويزيدها قوة على قوتها ما يحالفها من الأغراض الأخر الكثيرة غير مجرد الترنم، مما يراد إليه بالتكرار في الشعر الرصين الجزل.

خذ مثلا قوله (٤):

ما لي أكتم حبًا قد برى جسدي ... وتدعي حب سيف الدولة الأمم

إن كان يجمعنا حب لغرته ... فليت أنا بقدر الحب نقتس

قد زرته وسيوف الهند مغمدة ... وقد نظرت إليه والسيوف دم

فكان أحسن خلق الله كلهم ... وكان أحسن ما في الأحسن الشيم

فوت العدو الذي يممته ظفر ... في طيه أسفٌ في طيه نعم

تأمل تكرار كلمة "الحب" في البيتين الأولين. وانظر كيف تعمد الشاعر أن


(١) الهمزية التي في أول ديوانه.
(٢) الإسأد: ضرب من السير الشديد. تقول: أساد البعير يسئد فهو مسند.
(٣) ديوانه. يقول: هذا البعير رعته الفيافي، لأنه سافر فيها، فأفنت لحمه وشحمه، هذا بعد أن كان رعاها وسمن من أكل حمضها وخلتها أيام الربيع الممرع.
(٤) من قصيدته: واحر قلباه ممن قلبه شبم.

<<  <  ج: ص:  >  >>