يجعل هذا اللفظ عند النصف الأول من شطي البيت الأول. ثم كيف عكس هذا التركيب بجعل موضع اللفظ في اول النصف الثاني من كلا شطري البيت الثاني. وهذا توفيق غريب لا يجئ إلا بملكة نادرة، وطبعٍ قوي، وإدراك لأصول الصناعة وأسرارها. ولا يخفى ما قصد إليه أبو الطيب من التغني بكلمة الحب في هذه الأشطار الأربعة. ثم انظر في البيت الخامس، كيف جسر الشاعر على إعادة لفظتين معا، وكرر إحداهما ثلاث مرات، وذلك قوله:"فكان أحسن"، ثم قوله:"الأحسن" في الشطر الثاني. وبتوفيق نادر تأتي له أن يحدث تكراره في النصف الأول من كل شطر، قبيل تمام التفعيلة بسبب خفيف واحد؛ ثم بعد أن تدرج بالسامع كل هذا التدرج، من كلمة واحدة تكرر عند نصف البيت، إلى كلمتين تترددان بين الصدر والعجز، جسر على المجيء بالتكرار دفعة واحدة في شطر واحد، وذلك قوله:
في طيه أسف في طيه نعم
ولا أحسب أن في الشع العربي أمثلة كثيرة ترن فيها تفعيلات البسيط هذا الرنين المدوي المستتر في نفس الوقت وراء "تكرارات" بارعة، شبيهة بالخطابية، يلقي بها الشاعر وكأنه غير مكترث.
والمتنبي تجده يستطيع الإتيان بهذا النوع من التكرار الترنمي في كل بحر يرده وكل وزن يتعاطاه، وهو من هذه الجهة يربي على كلا البحتري وجرير، اللذين لأكثر ما تجدهما يكرران في الوافر والكامل.
وهاك مثالا من تكار المتنبي في الطويل، قال يمدح سيف الدولة (١):
ولا كتب إلا المشرفية عنده ... ولا رسل إلا الخميس العرمرم
فلم يخل من نصرٍ له، من له يد ... ولم يخل منشكرٍ له، من له فم
(١) ديوانه (شرح العكبري- الحلبية ١٩٣٦) - ٣: ٣٥٢ يقول لا كتب يكاتب بها الملوك غير السيوف. ولا رسل غير الخميسن وهو الجيش.