للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغلبها ذات صورة تقليدية واحدة وهي النسيب أو ما بمجراه من غناء حزين. ولما كانت الصور التقليدية دائمًا تنزع إلى التأثير، لا من طريق القول الواضح البين، ولكن من طريق الاقتراح والوحي والتلميح، فالنسيب العربي وما بمجراه من المقدمات الغنائية الحزينة، كل ذلك يجد في التكرار وسيلة قوية التأثير لاقتراح اللون العاطفي الحرزين، أو الهائم أو الطرب الذي تراد إشاعته في الأسماع والقلوب، قبل البلوغ إلى الغرض.

هذا، وبعض القصائد تكون أغراضها من نوع نسيبي اللون، جانب الصورة العامة، واللون العاطفي الإجمالي، أغلب فيه من جانب الوضوح والتفصيل، كقصائد الرثاء المفجع، والفراق والاغتراب، والهم والابتئاس، والذكرى والتشوق، وحتى المدح أحيانًا إن قصد به إلى التفخيم أو إظهار الإعجاب المفرط، وكل ما كان من هذا القري مما تغلب عليه العواطف.

وأكثر ما يكرره الشعراء، لإشاعة لونٍ عاطفي غامضٍ، يقوي الصورة التي عليها بنية القصيدة، أسماء الأشخاص، والمواضع، وما هو بمنزلتها من الأعلام، والألفاظ التي تنزل منزلة الأعلام "كالأعادي" في بيت مالك بن الريب:

وأصبحت في أرض الأعادي بعدما ... أراني عن أرض الأعادي قاصيا

هذا التكرار ضربان: ملفوظ وملحوظ. فالملفوظ: ما كررت فيه ألفاظ بأعيانها، سواءٌ أكانت أعلامًا أم كلمات تجري مجرى الأعلام. مثال ذلك قول مالك بن الريب (١):

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا (٢)


(١) ذيل الأمالي والنوادر للقالي (بولاق ١٣٢٤) - ١٣٧.
(٢) القلاص: جمع قلوص، وهي الفتية من الإبل. والنواجيا جمع ناجية، والجمع في حالة الرفع: نواج: أي سراع.

<<  <  ج: ص:  >  >>