للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، ونرجع إلى أبيات ابن الفارض، قال رحمة الله:

وروى أحاديث الأحبة مسندًا ... عن إذخرٍ بأذاخرٍ وسحاء (١)

فسكرت من ريا حواشي برده ... وسرت حميا البرء في أدوائي

يا راكب الوجناء بلغت المنى ... عج بالحمى إن عجت بالجرعاء

متيممًا تلقاء وادي ضارجٍ ... متيامنا عن قاعة الوعساء

وإذا أتيت أثيل سلعٍ فالنقا ... فالرقمتين فلعلعٍ فشظاء (٢)

فكذا عن العلمين عن شرقيه ... مل عادلًا للحلة الفيحاء

واقر السلام عريب ذياك اللوى ... عن مغرم ٍصب كئيبٍ ناء

صب متى قفل الحجيج تنفست ... زفراته بتنفس الصعداء

كلم السهاد جفونه فتبادرت ... عبراته ممزوجة بدماء

يا ساكني البطحاء هل من عودةٍ ... أحيا بها يا ساكني البطحاء

وذكر المواضع في الشعر الصوفي والنبوي كثير للغاية. فليرجع القارئ إلى البردة:

أمن تذكر جيرانٍ بذي سلمٍ ... مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمةٍ ... وأومض البرق في الظلماء من إضم

وإلي شعر البرعي، وديوانه مطبوع وفيه شعر جيد. وإلى مجموعة النبهاني.

وبعد، فهذه صورة مختصرة للغاية، أردت بها تبيين الصلة الوثيقة بين الحنين والمواضع، وكيف بدأت هذه المواضع حقيقية منتزعة من التجربة في الشعر القديم؟ ثم جعلت شيئًا فشيئًا تفقد عنصر الحقيقة، ويطغى عليها جانب الوهم واللاواقع،


(١) يشير ابن الفارض إلى حديث بلال وحنينه إلى "إذخر وجليل" وهما بمكة. والسحاء بكسر السين والإذخر: نباتان بناحية مكة.
(٢) "الرقمتين" المذكورة هنا، هي نفس "الرقمتين" التي في شعر زهير.
"ودار لها بالرقمتين ... البيت"

<<  <  ج: ص:  >  >>