يظل من خوفه الملامح معتصما ... بالخيزرانه بعد الأين والنجد
يومًا بأجود منه سيب نافلةٍ ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد
وما هو من هذا المجرى، ومن كل ما أريد به تقوية المدح وتأكيده.
والوصف في معرض المدح كثيرٌ جدًا في الشعر الإسلامي ولا سيما وصف الجروب والمغازي، وخاصة عند الشعراء العباسيين، وتجد تكرار المواضع التي دارٍ فيها القتال أو كان إليها سير الجيوش، يحتل في قصائد المدح العباسية، منزلة شبيهة بتلك التي كانت تحتلها توضح والمقراة وجومل من النسيب الجاهلي. خذ مثلًا قول أبي تمام (١):
يا يوم اشق كنت رشق منيةٍ ... للخرمية صائب الآجال
أسرى بنو الإسلام فيه وأدلجوا ... بقلوب أسدٍ في صدور رجال
قد شمروا عن سوقهم في ساعةٍ ... أمرت إزار الحرب بالإسبال
وكذاك ما تنجر أذيال الوغى ... إلا غداة تشمر الأذيال
قلت: هذا البيت الثاني كالشرح لسابقه. فقد طابق أبو تمام بين تشمير الرجال وجدهم في الحرب، وكون فظيعة هائلة غاطية الأكناف، فشبهها بالأنثى، وجعل هذا الهول وهذه الإحاطة، كالذيل السابغ الذي تلبسه الأنثى، وتخطر فيه مدلة بحسنها وجبروتها وكأنه خشي ألا يفطن السامع إلى ما في هذا التشبيه من حذق ومهارة، فاردفه بهذا اللعب اللفظي الرشيق في قوله:"أذيال الوغى" و"تشمر الأذيال"- والرشاقة في كونه اجترأ ونسب إلى الرجال أذيالا يشمرون عنها. ولعله سوغ له هذه الجرأة، ما كانوا يصفون به دروع الكماة من السبوغ والإكمال.