للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجع:

لما رآهم بابك دون المنى ... هجر الغواية بعد طول وصال

تخذ الفرار أخًا وأيقن أنه ... صري عزمٍ من أبي سمال (١)

قد كان حزن الخطب في إحزانه ... فدعاه داعي الحين بالإسهال (٢)

لبست له خدع الحروب زخارفا ... فرقن بين الهضب والأوعال (٣)

ووردن موقانا عليه شوازبا ... شعثًا بشعثٍ كالقطا الأرسال (٤)

يحملن كل مدجج سمر القنا ... بإهابه أولى من السربال

خلط الشجاعة بالحياء فأصبحا ... كالحسن شيب لمغرمٍ بدلال

أقول: وهذا المغرم هو أبو تمام نفسه، فما الذي يدعوه إلى ذكر الدلال والحسن وهو بمعرض وصف الأهوال والقتال؟ وما أحسب هذا البيت إلا منزلات القلم واللسان الفاضحة التي تبدو من الشعراء أحيانًا، مثل قول ابن الوردي في اللامية:

واله عن آلة لهو أطربت ... وعن الأمرد مرتج الكفل

إن تبدي تنكشف شمس الضحا ... وغذا ما ماس يزري بالأسل

فهذا شر مما نهى عنه. والقارئ يعلم أن أبا تمام كان مغرى بالغلمان، ولا يخالجني شك في أنه كان يعجبه جمال الغلمان الأتراك وهم في الزرد وعلى الخيل


(١) يشير هنا إلى خبر أبي السمال الأسدي، فقد زعموا أنه أضل ناقته، فآلى ألا يعبد الله إن لم يجدها، فخرج غير بعيد فوجدها. فلما وجدها قال: "قد علم أنها صرى": أي أن يمين أبي السمال صادقة، فرد عليه ناقته. وقول أبي تمام: "صرى عزم الخ" معناه: عزم قوي أكيد. راجع المادة في اللسان.
(٢) الحين: هو الهلاك. يعني قد كان بابك ممتنعًا بالجبال، عسيرا التغلب عليه. فدعاه هلاكه إلى النزول إلى السهل.
(٣) يقول: غرته خدع الحرب فنزل. وخدع الحروب تنزل الأوعال من الهضاب، فكيف لا تنزل غيرها، والوعل معروف بلزوم شعا الجبل.
(٤) الشوازب: هي الخيول الضوامر. وجعلها شعثًا لأنها سافرت وجابت بلادا وعليها فرسان شعث. وشبهها في السرعة بالقطا.

<<  <  ج: ص:  >  >>