للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطهمة، وبأيديهم النبال وفي أعينهم الأسهم. وقد أبى هذا الإعجاب الجامح الطامح إلا أن يتسرب إلى حاق الجد من شعر أبي تمام، متخفيًا تحت ستر التشبيه والمجاز والصناعة اللفظية. ونعود بعد إلى ما كنا فيه، قال:

فنجا ولو يثقفنه لتركنه ... بالقاع غير موصل الأوصال

وانصاع عن موقان وهي لجنده ... وله أب بر وأم عيال (١)

هيهات روع روعه بفوارس ... في الحرب لا كشفٍ ولا أميال

جعلوا القنا الدرجات للكذجات ذا ... ت الغيل والحرجات والأدحال (٢)

فأولاك هم قد أصبحوا وشروبهم ... يتنادمون كئوس سوء الحال

وبهضبتي أبرشتويم ودروز ... لقحت لقاح النصر بعد حيال

يوم أضاء به الزمان وفتحت ... فيه الأسنة زهرة الآمال

لولا الظلام وقلة علقوا بها ... باتت رقابهم بغير قلال

فليشكروا جنح الظلام ودروزًا فهم لدروز والظلام موال

وهكذا. ولعلك أيها القارئ الكريم قد فطنت إلى موضع تكرار المواقع التي دار فيها القتال مثل أبرشتويم، ودروز، وموقان، وأرشيق. وقد كان أبو تمام شديد الطلب للجناس، وكان هذا كثير ما يدعوه للتقليل منذكر المواضع، ضنا بفنه ألا يذكر موضعا غير محلى بجناس يشبهه. على أن أبا تمام مع لإقلاله هذا، قد كان كأنما اخترع طريقة جديدة في وصف الحرب، بالنسبة إلى من سبقوه -فهو يلح في ذكر تسلسل المواقع، ويجعل أسماء الأماكن كالمعالم من هذا التسلسل الملحمي. وفي


(١) قوله أم عيال: فيه إشارة لبيت الشنفري:
وأم عيالٍ قد شهدت تقوتهم ... إذا أطعمتهم أو تحت وتقلت
(٢) أي جعلوا القنا سلمًا يصعدون به ثم ينزلون إلى الكذجات ذوات الشجر والغابات والأدحال. وهي الحفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>