للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصيدته لواحدٍ منها، لا، ولا يهتم بأن يلتزم واحدًا منها دون غيره في بيت واحدٍ أو بيتين، أو قطعة من بيت، بل الغالب أن يخلط الشاعر بينها، وربما كرر تكرارًا يستفاد منه تقوية المعاني الصورية والتفصيلية معًا، ثم يكون بعد تكراره ترنميًا في سنخه. هذا، ولا ينبغي أن ننسى أن كل تكرارٍ، مهما يكن نوعه، تستفاد منه زيادة النغم، وتقوية الجرس. وتسنيتنا لنوعٍ واحد منه، ترنميا، إنما هي أجل توضيح طبيعته وتبيينها وتذكير

القارئ بأن ناحية النغم أظهر في هذا النوع من النواحي الأخرى. وهاك مثالا، ما استشهد به ابن رشيق القيرواني من شعر يزيد بن مسهر الشيباني (١):

أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا ... أبا ثابت أقصر وعرضك سالم

وذرنا وقوما إن هم عمدوا لنا ... أبا ثابت واقعد فإنك طاعم

فتكرار أبي ثابت هنا، مع أنه ترنم، ليس من التكرار الترنمي الخالص. وإنما هو أقرب لأن يكون صوريًأ إذا نظرت فيه إلى معنى التهديد، أو تفصيليًا خطابيًا إن شئت. ومن هذا النحو قول ذي الرمة، وهو أيضا مما أستشهد به ابن رشيق (٢):

تسمى امرأ القيس بن سعدٍ إذا اعتزت ... وتأبى السبال الصهب والآنف الحمر (٣)

ولكنما أصل امرئ القيس معشر ... يحل لهم أكل الخنازير والخمر

هل الناس إلا يا أمرأ القيس غادر ... ووافٍ وما فيكم وفاء ولا غدر

فلك في أمرئ القيس هنا أن تحملها على معنى التوبيخ الصوري المستخلص


(١) العمدة ٢: ٧٢.
(٢) نفسه.
(٣) أمرؤ القيس من فروع تميم. وكان ذو الرمة أسود، وتجده هنا يطعن في نسب المرئيين لما يغلب عليهم من الشقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>