للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الهجاء، ولك أن تحملها على التوكيد والتقرير. ومع وضوح ناحية الترنم فيها، ليس فيها تكرار الشاعر من التكرار الترنمي.

هذا، وقبل أن نفرغ من الحديث عن التكرار، ينبغي أن نذكر أن نوعي التكرار الترنمي والخطابي (التفصيلي)، محل لتباين الذواق. وكثيرًا ما تجد ناقدا يستحسن تكرارًا ما، وتجد آخر يهجنه ويستقبحه. والعندة في ذلك كله على مراعاة الاعتدال. خذ مثلا هذه الأبيات التي استشهد بها ابن قتيبة، وعدها مما تأخر لفظه ومعناه (١):

ولائمة لامتك يا فيض في لندى ... فقلت لها لن يقدح اللوم في البحر

أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى ... ومن ذا الذي يثنى السحاب عن القطر

مواقع جود الفيض في كل بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر

كأن وفود الفيض لما توافدوا ... إلى الفيض وافوا عنده ليلة القدر

وقد ذكر ابن رشيق هذه الأبيات كأنه يستحسنها (٢)، وعندي أن هذا التكرار ترنمي صوري، وأنه لا غبار عليه. ولا أدري فيم هجنه ابن قتيبة، واستخف به، اللهم إلا أن يكون ذلك فعل الذوق الشخصي وحده أو قل الهوى الشخصي.

ومما عابه ابن قتيبة أيضًا قول الأعشى:

وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاوٍ مشل شلول شلشل شول

ونتحدث عن هذا البيت في معرض الحديث عن الجناس. وأختم حديثي عن التكرار بتذكير القارئ بأنواعه المختلفة التي ذكرناها، وهي:


(١) الشعر والشعراء ١٦.
(٢) العمدة ٢: ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>