للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا له ازدد قدحًا واحدًا ... ما أنت تزداده بالوكيس (١)

يحميك في هذا الشفيف الذي ... يطفئ بالقر التهاب الحميس (٢)

فعب فيها فوهى لبه ... وعد من آل اللعين الرجيس

حتى يفيض الفم منه على ... نمر قتيه بالشراب القليس (٣)

انظر إلى الصورة الأولى: صورة الزوج الذي يطلق امرأته ثلاثًا، ثم يندم بعد ذلك ولات ساعة مندم. ثم إلى الصورة الثانية: صورة القسيس المتقشف يزل ليلة، فيشرب حتى يتحبب وتسوء حاله، فيعربد ويقيء على فراشه- تأمل إلى صياغة المعري لهاتين الصورتين البارعتين، وترصيعه لهما بحوار ماكر خبيث، وتعليقات غايةٍ في السخرية مثل قوله: نذكره منها البيت. وقوله: "حتى يفيض الفم منه" البيت.

هذا والبسيط يلي الخفيف والسريع والمنسرح في كثرة السينيات، ومن جيد ما جاء فيه سينية الحطيئة في هجو الزبرقان، وهي مشهورة. ومن أحسن ما قرأته في رويها (٤) وبحرها قول أحد الهذليين يرثي:

يا مي إن تفقدي قومًا ولدتهم ... أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس (٥)

عمرو وعبد منافٍ والذي عهدت ... ببطن عرعر آبي الضيم عباس (٦)


(١) الوكيس: هو الذي ذهب ماله في التجارة وخسر- أي لن تخسر شيئًا إذا ازددت قدحًا.
(٢) الحميس: النار، والشفيف: البرد، ويحميك ثلاثي أو رباعي بمعنى: يجعلك حمى.
(٣) حتى يفيض بالرفع: أي حتى إن شرابه ليفيض على نمر قته، وانظر باب حتى في الكتاب ١ - ٤١٣. والقليس: لمقوس: أي المتقيأ. ولك النصيب أيضًا.
(٤) مع اختلاف المجرى، إذ مجرى الحطيئة كسر، ومجرى الهذلي ضم. والقصيدة طويلة في ديوان هذيل شرح السكري طبع أوروبا.
(٥) خلاس: مسترق
(٦) ويروى: رزئت مكان عهدت.

<<  <  ج: ص:  >  >>