للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي قصيدة وحشية الألفاظ. وقسط عظيم من جمالها يرجع إلى وعورة ألفاظها، التي تمثل جو الجن خير تمثيل. وفيها من الخيال الغريب والسخرية الخفية اللطيفة، والفكاهة العابثة ضروب وأنواع. أذكر منها على سبيل المثال قوله يصف خيل الجن:

تحملنا في الجنح خيل لها ... أجنحة ليست كخيل الأنيس

وأينقٌ تسبق أبصاركم ... مخلوقة بين نعام وعيس (١)

وقوله يتحدث عن مكر الشياطين:

ونخرج الحسناء مطرودة ... من بيتها عن سوء ظن حديس (٢)

نقول: لا تقنع بتطليقة ... وأقبل نصيحًا لم يكن بالدسيس

حتى إذا صارت إلى غيره ... عاد من الوجد بجد تعيس

نذكره منها وقد زوجت ... ثغرًا في مدامٍ غريس (٣)

ونخدع القسيس عن فصحه ... من بعد ما ملئ بالأنقليس (٤)

أصبح مشتاقًا إلى لذة ... معللا بالصرف أو بالخفيس (٥)

أقسم لا يشرب إلا دويـ ... ـن السكر والبازل دون السديس (٦)


(١) أي خلقة الإبل التي تحمل الجن بين النعام وبين الإبل المعروفة. وفي هذا إشارة إلى كثرة تشبيه الناقة بالظليم في الشعر العربي، كما فيه إشارة إلى خرافاتهم التي تقول إن النعام من مراكب الجن.
(٢) حديس: أي محدوس، مظنون.
(٣) الدر المغموس في المدام هو حبابها، فشبه الثغر به في صفائه وبريق ثناياه.
(٤) الأنقليس: سمكة الفصح، هكذا فسرته السيدة الفاضلة ابنة الشاطئ (رسالة الغفران هامش ٤ - ٢٠٩) وفي القاموس: سمكة كالحية. ومراد الشاعر أن الجن تخدع القسيس عن المحافظة على صوم الفصح (وهو صوم النصارى يضربون فيه عن اللحم إلا الحوت) حينما يكون قد مل أكل السمك وتملأ منه حتى عافه (مليء مضعف مليء المجهول) فيصير بعد انخداعه وأكله اللحم مشتاقًا إلى لذة الخمر.
(٥) الخفيس: الخمر الممزوجة بالماء
(٦) البازل: الفتى من الإبل، والسديس دونه، وهذا مثل: أي الكبائر تنشأ من الصغائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>