المزنة البكر الحرة. ومن شاهر هطول الأمطار في البلاد الحارة، كيف ينهمر انهمارًا ذا خرير ودوي، أدرك سر هذه الهدير الرائي الذي جاء به عنترة.
هذا، والصنف الثاني من الحرفي، ما أريد فيه زيادة جرس البيت من غير ما تعمدٍ إلى تقوية معنى خاص، له علاقة بصوت الحرف المكرر، وهذا الصنف كثير جدا في الشعر العربي، ومن أمثلته قول الحارث بن حلزة اليشكري:
فرباض القطا فأدوية الشر ... بب فالشعبتان فالإبلاء
وقول زهير:
إذا لقحت حرب عوان مضرةٌ ... ضروس تهر الناس أنيابها عصل
قضاعية أو أختها مضرية ... يحرق في حافاتها الحطب الجزل
تجدهم على ما خيلت هم إزاءها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل
وهذا من نادر الجناس الحرفي ورصينه، والبيت الأول قد تشتم منه علاقة معنوية قوية بين تكرار حرف الراء والمد والتشديد، وما يلابس الحرب من جلبة وضجيج والحرف الذي جعله الشاعر أساس التجنيس في البيت الأول هو الراء، ورفده بالضاد في "مضرة، وضروس" وبالسين في البيت الأول هو الراء، ورفده بالضاد في "مضرة، وضروس" وبالسين في "ضروس، والناس"، وبالتنوين في قوله "حرب، عوان، مضرة، ضروس"، والتشديد في قوله "مضرة، وتهر" ولا تنس التاء. وفي البيت الثاني خفف الشاعر من التكرار شيئًا، فاكتفي بالضاد في قوله "عصل" من قافية البيت الأول. والشطر الثاني عند فيه الشاعر إلى الحاء والفاء، فكررهما في قوله "يحرق في حافاتها"، وجعل "القاف" من "يحرق" صدى للقاف من "قضاعية". وكلمة "الجزل" وهي القافية، لا تشبه شيئًا من الكلمات التي تقدمت إلا من حيث الموازنة للحطب، وهي موازنة غير تامة. وقد رجع الشاعر صدى جرس الجيم منها في جيمات البيت الثالث:"تجدهم، والجماعات" وكرر