حضرت رحلي الهموم فوجهـ ... ت إلى ابيض المدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ وآسي ... لمحل من آل ساسان درس
فهنا تجد تكرار الراء في البيت الأول، وصيغة المؤنث السالم في الثاني، والباء والنون في الثالث، والحاء في الرابع، والسين في السادس. والفرق بين هذا النوع من التكرار والتكرار الجاهلي، هو أن البحتري جمع بينه وبين أصناف من توشية الجرس، كالمزاوجة اللفظية والتقسيم والطباق.
وهاك مثالا آخر قوله:
طربت بذي الأراك وشوقتني ... طوالع من سنا برقٍ كليل
وذكرنيك والذكرى عناء ... مشابه فيك بينة الشكول
نسيم الروض في ريح شمال ... وصوب المزن في راحٍ شمول
عذيري من عذول فيك يلحي ... على ألا عذيرٌ من عذول
تجرمت السنون ولا سيبل ... إليك وأنت واضحة السبيل
وقد حاولت أن تخد المطايا ... إلى حي على حلب حلول
تأمل مجانسة الريح والراح، والشمال والشمول في البيت الثالث، فهذا من الجناس المتشابه. وتأمل تكرار الحاء في البيت الأخير، فهذا من الصنف السجعي القليل الورود عند أبي تمام، الكثير عند القدماء.
وخلاصة القول في البحتري أنه عدل عن مذهب أبي تمام في المقابلات، إما بالتنويع كالمثال الذي ذكرناه من ديباج الخدود، وإما بالتكرار المحض كما في قوله:
عفت الرسوم وما عفت أحشاؤه
وأكثر البحتري من جناس المتشابه شيئا. ورجع إلى مذهب القدماء في الجناس السجعي والمزدوج. ولم تكن رجعته هذه عدولاّ عن طريقة أبي تمام، وإنما