للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمصائب. ألا يجوز أن تزف إليه امرأة يزعم الناس له، لما يعرفونه من عجزه عن رؤيتها، أنها (١):

لها خدم وأقرطة ووشح ... وأسورة ثقائل إن وزنه

وليست بالمعنة في جدالٍ ... وإن جدلت كما جدل الأعنة

وأنها شقيقة الثريا، وترب القمر، وآية الحسن، وروح الجمال. ولعلها لا تكون إلا عوانا، ولعلها لا تكون إلا "أخت الغول والنصف الصفنة" أو شيئا من هذا المجرى مما يجعله موضعا للهزء والسخرية، لو ركن إليه ورضي به.

كل هذه العوامل ألجات المعري إلى الإعراض عن المرأة، مع حرصه على طلبها فهذا تناقض آخر من تناقض أبي العلاء، طرف منه يجذبه إلى الوضوح، وآخر يجذبه إلى الغموض. ولا يخفى أن تحريم أبي العلاء على نفسه كل ما يخرجه الحيوان، له صلة قوية بأعراضه عن المرأة. فاللحم واللبن كلاهما من مقويات الشهوة. وقد ذكر غادي في ترجمته التي ترجمها لنفسه أنه كان يجد عناء من اللبن في أولى أيام عزمه على التبتل.

والخمر أيضا مما اشتهاه أبو العلاء، وأعرض عنه. ولعله قد تعاطاها سرا كما ظن العقاد (٢). ومهما يكن من شيء، فقد أدرك من صفتها ما يدركه هواتها ومتعاطوها ولا أدرى كيف تسنى له أن يصف القس الذي خدعته الشياطين فسكر، بقوله:

حتى يفيض الفم منه على ... نمرقته بالشراب القليس (٣)

وقوله:

قلنا له ازدد قدحا واحدا ... ما أنت أن تزداده بالوكيس (٤)


(١) انظر المرشد (١: ٦٦)، والتنوير (٢: ٣٠١ - ٤).
(٢) رجعة أبي العلاء للأستاذ عباس محمود العقاد (مصر ١٩٣٩): ٤٦.
(٣) رسالة الغفران: (٧٠٢ - ٤١٢ القليس): الذي تقيأه صاحبه.
(٤) أي لن تخس شيئا إذا أزددت قدحا واحدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>