وهل يحزن الدمع الغريب قدومه ... على قدم كادت من اللين تنهال
فانظر إلى هذه الشهوة التي تجمع بين الزند المغتال والقدم المنهال.
وقوله من أخرى، وأخفاه تحت ستار الصناعة اللغوية، (وهذا يؤيد ما زعمناه عنه، من أنه كان يجمع بين النقيضين: طلب الإفصاح، وطلب الإخفاء):
نكست قرطيك تعذيبا وما سحرا ... أخلت قرطيك هاروتا وماروتا
فلست أول إنسان أضل به ... إبليس من تخذ الإنسان لا هوتا
ألا ترى هنا اعمى متخابثًا يعبث بالأقراط، ويطلب الغزل، متظرفا بالتلميح إلى كتاب الله؟
وحسبي هذا القدر اليسير. وفي صور أبي العلاء الرائعة في الدرعيات ورسالة الغفران دع عنك غزلة في السقط، ما يكفي لإثبات شهوته للنساء، وللترجيح أنه قد عرف منهن غير قليل، والله بعد علام الغيوب.
هذا، وعندي أن دمامة أبي العلاء مقرونة بالعمى والكبرياء، والحذلقة التي لا يخلو منها عالم لغوي متفقه، بغضت النساء فيه شيئا. ودعته أن يرد على هذا البغض أو العزوف، بادعاء العفاف عنهن، والسخط عليهن. ولو كان ذا حظ من الحكمة، لكان قد اطرح التكبير شيئا، وتذلل لهن ذلك التذلل الذي يلزم مثله الرجل حتى ينال الحظوة من المرأة، جميلة كانت أو غير جميلة. ويترجح عندي أن قوة الشك عند المعري، ومصدرها عماه، كان لها أيضا أثر كبير في تعزيز نفوره عن النساء. ولا يبعد أن هذا الرجل بما وهب له من فطنة وذكاء واعتداد بنفسه، وشعور بجلال تربيته، كان لا يرضي لنفسه إلا بامرأة جميلة، كما يظفر به المبصرون. ولعله كان يظن أن مزية الأبصار وحدها كافية للحصول على المرأة الجميلة، وأن حرمانه إياها سيعرضه