للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البديعي، (وليس هذا لفظه) عن أشياخه (١). وهذا النقل يؤيده ما ذكروه عن أبي العلاء أن أحد الناس تخطاه في زحام الدخول إلى مجلس الشريف المرتضي، ولزه جانبا، ودعاه كلبا، فانفعل أبو العلاء وقال "الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما" (٢) وقد حرمته هذه الدمامة من نعمة التمتع بالنساء. ولو قد كان رجلا معتدل المزاج، خاليا من الكبرياء، لكان قد ظفر بين إناث عصره بمحبوبة واحدة على أقل تقدير. ولكن كبرياءه وشعوره بالنقص والخسران من جراء عماه، ومزاجه العلمي، واعتداده بفكر وذكائه، كل ذلك وقف سدا منيعا بينه وبين المرأة. ثم أضف إلى كل هذا نشأته الدينية التي نشاها، وما هو من شأن هذه النشأة الدينية على اختلاف العصور والدهور والأديان، من غرس نوع من الإحجام، والشعور بالإجرام إزاء العلاقات الجنسية. وقد بلغني -ولم أر ذلك مسطورا- أن إحدى كاتبات هذا الجيل البوارع، زعمت أن أبا العلاء كان عنينا أو معترضا من ناحية النساء. والله أعلم بمستور الغيب. غير أني أرى من شواهد شعره ما ينفي ذلك، مثلا قوله:

معانيك شتي والعبارة واحد ... فطرفك مغتال وزندك مغتال

وماله وزندها إن لم يكن رجلا ذا شهوة، يعرف كيف يعبر عنها بأقوى ما يملك من حواس، حاستي السمع واللمس؟ ولا يخدعك ما تحت هذا الكلام من شهوة محتدمة ظاهرة الوقير، وادعاؤه أنه إنما يطلب الجناس التام، لا الرفث الحرام.

ومثلا قوله:

عجبت وقد جزت الصراة رفلة ... وما خضلت مما تسر بلت أذيال

فما له رحمه الله يلمس ثوبها، ليعرف ما ابتل وما لم يبتل؟


(١) أوج التحري ليوسف البديعي (دمشق ١٩٤٤: ٩).
(٢) آثار أبي العلاء (الدار): ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>