للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتعات في زوايا تلك العاصمة الفسيحة المعقدة. (وفي كتاب الفصول والغايات فصل مفيد عن اصطلاحات الغناء، لا أحسب المعري قد ألم بمعرفته إلا في بغداد (١))، وقد ثسى المعري، وهو في غمرة ابتهاجه بحاضرة الدنيا ومفاتنها، وفي ذروة طموحه وانشراح صدره إلى آماله وأمانيه، أن سبيل الجاه والسلطان والظهور والظفر، لا تكون إلا بالخضوع ولا سيما لمن كان في حاله من الضعف والعلة. وكانت العقوبة التي لقتها على هذا النسيان مرة لاذعة، أقل ما توصف به أنها العقوبة التي لا مفر منها لكل ذي ضعف ظاهر، وطموح جاسر، مشفوع بالكبر والنخوة. وبحسبنا أن نشير إلى ما إصابة من علي بن عيسى الربعي حين هم بالصعود إليه، فاذا به يسمعه يقول:

"ليصعد الإسطيل" (٢). (وقد كانت الإسطيل لفظة ذم جارح، أو كانت من اصطلاح الساسانيين يطلقونها على المكدين من العميان). وما لقيه عند أبي حامد الإسفرائيني من التجاهل والتجاوز وعدم الالتفات بعد أن حبر فيه عينيته الرائعة:


(١) قد ند عني موضعه من الكتاب، فليرجع إليه.
(٢) وردت هذه الكلمة هكذا (اسطبل) بالموحدة في مقدمة رسائل أبي العلاء لمرجليوث (أكسفورد ١٨٩٨: ١٤)، وفي ياقوت بالصاد والباء ٣: ١٢٤، وفي تعريف القدماء (آثار أبي العلاء، الدار ١٩٤٤ ص ١٦). وحاول مرجليوت أن يوجد لها أصلا في الإغريقية. وكل ذلك تعنت. والكلمة بالياء هكذا "إسطيل" قال أبو دلف الخزرجي الينبوعي (اليتيمة ٣: ٣٥٩) في القصيدة الساساني:
ومن طفشل أو زنكل أو سطل في السر
قال الثعالبي: "طفشل": إذا علق لسانه وتشبه بالأعراب. زنكل: إذا احتال في سلبهم. سطل: إذا تعامى وهو بصير. يقال للأعمى: إسطيل. اه.
وقال أبو دلف (نفسه ٣: ٣٦٦):
ومنا كل إسطيل نقي الذهن والفكر
قال الثعالبي: "الإسطيل: الأعمى". وفي الهامش ٣: ٣٦٦ قال: "وفي شفاء الغليل الإسطيل، بالصاد بلغة أهل الشام: الأعمى". وقد غفل محققو كتاب تعريف القدماء عن تحقيق كلمة إصطيل، فتابعوا مرجليوت على سهوه.
وأشكر للأستاذ عبد الرحيم الأمين رحمه الله رحمة واسعة (توفي في يونيه ١٩٦٨) أن نبهني إلى جواز أن تكون كلمة "إصطيل" المذكورة في ياقوت محرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>