للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبينما كان في هذه الحالة وافاه كتاب منظوم، من أخيه عبد الواحد بن سليمان، يلح عليه أن يئوب إلى أمه الوالهة (١). فتواطأ عاملا الشوق، والفقر على الإسراع به إلى داره، بعد أن كانت العوامل الأخرى القوية قد فعلت فعلها البليغ في نفسه، (بما فيها من إهانة الشريف المرتضي إن صح خبرها). والمعري حين يقول:

أثارني عنكم أمران والدة ... لم ألقها وثراء عاد مسفوتا

أحياهما الله عصر البين ثم قضى ... قبل الإياب إلى الذخرين أن موتا

لولا طلاب لقائيها لما تعبت ... عنسي دليلا كسر الغمد إصليتا

ولا صحيت ذئاب الإنس طاوية ... تراقب الجدي في الخضراء مسبوتا (٢)

وإنما يذكر السبب المباشر لرجعته.

وقد ظل يتأسف على الخروج من بغداد، ويمني نفسه الرجوع إليها دهرا طويلا، بعد اعتزاله الناس ولزومه محبسه. من ذلك قوله (٣):

وقد نصحتني في المقام بأرضكم ... رجال ولكن رب نصح مضيع

فلا كان سيري عنكم رأي ملحد ... يقول بيأس من معاد ومرجع

سلام هو الإسلام عم دياركم ... ففاض على السني والمتشيع

كشمس الضحا أولاه في النور عندكم ... وأخراه نار في فؤادي وأضلعي

ولو قد كان المعري رجلا حظه من الكبرياء كحظ سائر الناس، لكان قد اجتهد لينال ما كان يصبو إليه من المتعة والشرف في بغداد، ولكان قد آثر حبه لها على كل شيء ولكان قد استقر فيها، أو رجع إليها بعد أن دعاه داعي الحنين إلى والداته.


(١) آثار أبي العلاء ٥٤٤ - ٥٤٦.
(٢) المسفوت: هو المنقوص الذي ذهب به الدهر. والعنس: الناقة. وسر الغمد: السيف. وذئاب الإنس: اللصوص. والمسبوت النائم. والجدي: هو جدي الماء، يقول: إن هؤلاء اللصوص لو ظفروا بجدي النجوم نائمًا لاسترقوه.
(٣) التنوير ٢: ١٠١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>