للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن أشرح حالي غير معتمد ... فيه الإطالة كيما تعلم الخبرا

مد الزمان وأشوتني حوادثه ... حتى مللت وذمت نفسي العمرا (١)

وحلت كلي سوي شيب تجاوزني ... ولم يبيض على طول المدى الشعرا (٢)

فهذا في غاية البساطة واليسر، وهو على امتلائه وتدفقه بالعاطفة، يبدو كأنما نظمه رجل عالم متفقه، لا يدري من أساليب القريض شيئًا.

وقد حاول المعري في الدرعيات أن يوفق بين دواعي قلبه وفكره، ودواعي شيطان اللغة والبديع المستولي عليه، فجعل الدرع رمزًا للقانون الصارم الذي فرضه على نفسه. وتستر وراءها ليرضي من نفسه ناحية العالم، بعرض الأوصاف والأخبار المتصلة بالدرع فيما كان يرويه من شعر القدماء، وناحية الأديب العباسي

بالإكثار من زخرف البديع، وناحية الشاعر الحساس بتخير الألفاظ والتعبير عن رغبات نفسه آنا تلميحًا بوصف النساء والنور، وآنًا تصريحًا بذكر ما كان عليه من حال العزلة، وتحريم الخمر. وقد حاول في كثير من قصائد الدرعيات أن ينظم في قواف عسرة، أو يلتزم مالا يلزم. وبعض القصائد التي التزم فيها مالا يلزم مثل قوله:

عليك السابغات فانهنه

قد سما فيها غاية السمو، وافتن في روح الفكاهة والوصف التصويري. وقد سبق أن تحدثنا عن هذه القصيدة في كتابنا الأول.

على أن نظم الدرعيات لم يكف حاجة المعري من طلب التوفيق بين حاجة الفكر والعاطفة، وناحية اللغة والصناعة. فقد كان شيطان اللغة أغلب عليه، وسلطانه فيه أظهر وأقوي. فعمد المعري إلى التزام مالا يلزم على الطريقة المعقدة في كتابه اللزوميات وقد سبق أن قلت في الجزء الأول من هذا الكتاب، إن قيود المعري في


(١) أشوتني: أخطأتني.
(٢) حلت: تغيرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>