للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى التنوخي واسأله أخوته ... فقبله بالكرام الغر أوخيتا

فذلك الشيخ علمًا والفتي كرما ... تلفيه أزهر بالنعتين منعوتا

ولا شبه بين هذا الكلام السهل وأول هذه القصيدة الصعب العويص. وكلا قصيدتيه:

لمن جيرة سيموا النوال فلم ينطوا

و: تحية كسرى في السناء وتبع

تسلكان هذا المسلك الغريب، الذي يبدأ بالإغراب، وينتهي بالسهولة. وقد بلغت ثورة المعري الفكرية على الإغراب الذي كان يضطره عليه شيطان اللغة، حدًا جعله يفر أحيانًا إلى البساطة المحضة، وادعاء أسلوب الفقهاء، الذين لا يعرفون طريقة الشعر ومنهجه البديعي، مثال ذلك قوله (١):

أذاكر أنت عصرًا مر عندك لي ... فليس مثلي بناس ذلك العصرا

أيام واصلتني ودا وتكرمة ... وبالقطيعة داري تحضر النهرا

وحملك الشعر من أشعار طائفة ... وحشية من تنوخ تنكر الجدرا

قوم من الوبرين الذين غنوا ... في البيد يبنون في أرجائها الوبرا (٢)

جزء بدرب جميل في يدي ثقة ... سألته رد مضمون إذا قدرا (٣)

وكم بعثث سؤالًا كاشفًا نبا ... عنه فلم اقض من علمي به طرا

والمالكي ابن نصر زار في سفر ... بلادنا فحمدنا الناي والسفرا (٤)

فظل يثني عليك الخير مجتهدا ... ولم تغب عن ذرى مجد متي حضرا


(١) التنوير ٢: ١٣٩.
(٢) الوبريون: هو بنو كلب بن كلب بن وبرة من قضاعة، وعنى بهم تنوخ.
(٣) درب جميل: موضع في بغداد.
(٤) المالكي بن نصر: من فقهاء القرن الرباع، وهو مغربي، ومر بالعرة في طريقه إلى الأندلس.

<<  <  ج: ص:  >  >>